يَكون هدف الدَّوْلة مِن إِرْسال الأَفْراد أَو البَعثات إِلى الخارج، الاسْتِفادة مِن سَفر المَعْنيّين هَؤُلاء في مجالاتٍ عدَّةٍ: علميَّة، اقتصاديَّة، عسكريَّة، مهنيَّة... وإِلاَّ فإِنَّ التَّكاليف، وبِحَسب مَنْطِق صَرْف الأَمْوال مِن خَزِينة الدَّوْلة، تُعدُّ فَسادًا وإِهْدارًا للمال العامّ، وهي بالتَّالي تَجْييرٌ للمَبالغ المَرْصودة إِلى المَنافع الشَّخصيَّة، وهذا الفَسادُ بعَيْنه!.

والغَريب في لُبْنان أَنَّ هذا الوَجْه من أَوْجه الفَساد، وإِنْ حُكي عَنْه، ففي خفرٍ، ومِن دون مُتابعةٍ للمَوْضوع، على رُغْم خَطَره، والمَبالغ المَرْقومَة المَصروفَة على السَّفر، وإِنْ في غِياب الأَرْقام والتَّكاليف الرَّسْميَّة. وبالتَّالي فالإِنْفاق يتمُّ بموجَب المُوازنة العائِدة إِلى الوزارات، ويمكن التَّعْديل في النَّفَقات لناحية الصَّرْف على السَّفر من بابٍ آخر وبندٍ مختلفٍ في المُوازنة الوزاريّة...

وفي جَلْسةٍ لمَجْلس الوزَراء أَواخر 2017، كان على جَدْول الأَعْمال، أَكْثر مِن أَرْبعين بند سفرٍ على سبيل التَّسْوية، ما طرح وقتَها علامات اسْتِفهام في شأن النَّفقات والمبالغ الضَّخْمة الَّتي تُصْرَف على رحلاتٍ تضمّ وفودًا مُرافِقة من وزراء ونوَّاب وإِعْلاميِّين...

والسَّفر بَنْدٌ مِن بُنود مُوازنَة كلِّ وزارةٍ ومُؤسَّسةٍ حكوميَّةٍ، على أَنْ يتمَّ تَسْجيله ورَصْد المَبْلغ له وَفْق آليَّةٍ مُحدَّدةٍ، تَقْتضي إِعْلام الوَزير أو رَئيس الحُكومة عن مشروع السَّفر والغايَة منه. وتتولَّى وزارة الخارجيَّة والمُغْتربين تَغْطية نَفقات الرِّحلة، فتتكفَّل ببطاقات السَّفر والمَصاريف اليوميَّة وحُجوزات الفَنادق طَوال مدَّة الإِقامة في الخارج، باستثناء طَبعًا الدَّعوات المُوجَّهة على نَفقة الدَّوْلة المُسْتَضيفة أو المُؤَسَّسات الرَّسْميَّة أو الخاصَّة فيها، وفي حالاتٍ مُحدَّدةٍ...

وعليه، تَقع على مَجْلس الوزَراء مَسْؤوليَّة جَدْوَلة المَصاريف، وتحديد الوفود المُرافِقة... غَيْر أَنَّ الجَوْلات الخارجيَّة، كانَت في فَتْرةٍ من الفَترات، تضمُّ وفودًا مُوَسَّعة من شَخْصيّاتٍ وأَصْدقاء، إِضافةً إِلى عَشَرات الصِّحافيِّين والإِعْلاميِّين. واللافِت أَنَّ المَسْؤول كانَ يُسافِر أَحْيانًا والوفد المُرافِق، قَبْل مُوافَقة مَجْلس الوزراء، على أَنْ يتمَّ عَرْض المَوْضوع على التَّسْوية لدى عَوْدتِه من السَّفر، واضِعًا الدَّوْلة أَمام الأَمْر الواقِع!.

غير أَنَّ رئيس الجمهوريَّة العماد ​ميشال عون​، وعلى رغم أهميَّة سفره، وبخاصَّةٍ إِلى ​روسيا​، فقد آثر أَنْ يعتَمِد "التَّقشُّف" في الوَفْد المرافق، مع الحِرْص في شَكْلٍ مُتوازِنٍ، على إِيْلاء الزِّيارة المُشار إِلَيْها القَدر الكافي من الاهْتِمام تنظيميًّا!.

وتَزيد خُطورة المُوافقة اللاحِقة على السَّفر في ​لبنان​، في ظلِّ مُوازناتٍ لم تَكُن لتُنْجَزَ أَصْلاً، وخِلافًا للأُصول... وبالتَّالي يُطْرح السُّؤال الكَبير: ماذا لَوْ لم يُرْصَد المَبْلغ المَطْلوب للسَّفر في ظلِّ غِياب المُوازنة على مدى سَنَواتٍ؟... فمُخالَفة القَوانين في شقٍّ، قد تَفْتح الباب أَمام أَخْطارٍ مُحْدِقةٍ في شقٍّ آخر... كما وأنّ لا شَيْء يَدْفع المُخالِفين إِلى إِلْغاء رحلاتِهم، إذ يُؤَمَّن فوراً المَبْلغ المَطْلوب للسَّفر، من احتياطيِّ المُوازنة العامَّة، وعلى أَساس القاعِدة الاثْنَتي عشريَّة...

وفي إِطار تَرْشيد الإِنْفاق، ثمَّة اقْتِراح جَدير بالبَحْث حين لا يَكون السَّفر بمُسْتوى القمَّة، إِذْ يُمْكن أَنْ تُعدَّ ملفَّاتٌ عن مَوْضوع المُؤْتمر، وتُرْسَل إِلى سفارة لُبْنان في الخارج فيُمثِّل السَّفير الدَّوْلة اللّبنانيّة.

وفي مُكافَحة الفَساد، لا بدَّ مِن النَّظر في كلِّ ما مِن شَأْنه أَنْ يَجْعل صَرْف الأَمْوال العامَّة يتمّ في غَيْر محلِّه، ومِنها سفر الرَّسْميِّين: أَفْرادًا وجماعاتٍ، مع وفد إعلاميٍّ أَو من دونِه... وكذلك ما يُصرف في خانة "دَوْرات التَّدْريب المهنيِّ"...

فالتَّدْريب المهنيُّ من خلال دوراتٍ خارِج الوطَن أَوْ داخله، يَهْدف إِلى تَطْوير مَهارات الموظَّف الرَّسْميّ، ما يَنْعكس إِيْجابًا على خِدْمة المُواطن في شكلٍ أَفْضل، أَو مِن خِلال تَطْوير الكِفاية الوظيفيَّة لدَيه، بما يُفيد الوَطن. وأمَّا في غالِب الأَحْيان، فيكون السَّفر للمُشاركة في مُؤْتمراتٍ أو دَوْراتٍ تَدْريبيَّة، عُنْوانًا لإِخْفاء السِّياحة الشَّخْصيّة، والمَنْفعة الذَّاتيَّة، كما ويَكون الهَدفُ مِن السَّفر هو التَّبضُّع للعائِلة وتَقْديم التَّذْكارات إِلى الأَصْدقاء... خِلافًا للطَّريقة الَّتي تُدار فيها الأُمور في المؤسَّسات الخاصَّة، حَيْث تَخْتلف النّظْرة إلى التَّدْريب الوظيفيّ، إذ يُفْتَرض على المُشارِك في دورةٍ تدريبيَّةٍ، أَنْ يَرْفع تَقْريرًا بِجَدْواها، ومِن ثمَّ يُصْبح لزامًا علَيْه، أَنْ يُدرَّب زُملاءَه ويَنْقل إِلَيْهم تَجْربته وخِبْرته الجَديدة... وللحَديث صِلَة!.