ملفّ العفو الشامل تحرّك أكثر من مرّة خلال السنوات القليلة الماضية، وبشكل خاص عشيّة الإنتخابات النيابيّة في العام 2018، قبل أن يعود ويتحدّث عنه من جديد رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ قُبيل إجراء الإنتخابات الفرعيّة في ​طرابلس​. فهل فعلاً سيتمّ إطلاق المساجين قريبًا من ضُمن عفو شامل وعام، أم أنّ الكلام الأخير إندرج-كما غيره قبله، في سياق التحفيز الإنتخابي لبعض الجهات التي تستفيد من العُفو؟.

ليس بسرّ أنّ أكثر من جهة سياسيّة وحزبيّة فاعلة تُحاول منذ سنوات تمرير قانون للعفو، على أن تستفيد منه بعض الفئات المَحسوبة سياسيًا عليها، وذلك من ضُمن آلاف الأشخاص المُرشّح خروجهم من السجون، علمًا أنّ آلاف أخرى من المَحكومين غيابيًا والمَطلوبين سيستفيدون بدورهم من قانون العفو في حال إقراره. لكنّ الخلافات السياسيّة الداخليّة التي أوقفت تمرير القانون قبل الإنتخابات التشريعيّة الماضية، لا تزال قائمة حاليًا بحسب المعلومات المُتوفّرة، على الرغم من بعض الإتصالات البعيدة عن الأضواء التي جرت خلال الأسابيع الماضية بهدف تذليل العقبات، من دون أن تصل إلى نتيجة، بسبب بروز ملفّ المُوازنة الذي طغى بارتداداته على سواه. وبالتالي، قبل تجاوز مرحلة الأخذ والردّ القائمة حاليًا بشأن موضوع خفض العجز، وإقرار مُوازنة العام 2019، لا فتح مُرتقب لأيّ ملفّ خلافيّ جديد.

وقد صار معروفًا أنّ التوافق واسع على أن يشمل قانون العفو المَسجونين والمَطلوبين بجرائم عاديّة، وكذلك المَسجونين بتهم التورّط بعمليّات إطلاق نار، والتعامل بالشدّة والعنف مع القوى الأمنيّة، وتسويق عملات مُزوّرة والتعامل بشيكات بدون رصيد، إلخ. والذين كانوا إستفادوا أصلاً من تخفيض السنة السجنيّة من عام كامل إلى تسعة أشهر فقط، وذلك بحجّة التخفيف من إكتظاظ السُجون. كما يُوجد نوع من التفاهم على أن يشمل قانون العفو أعدادًا كبيرة جدًا من المَسجونين والمطلوبين بتهم مُرتبطة بزراعة الحشيش وبيعه، والترويج والإتجار بالمُخدرات والمَمنوعات(1)، مع الإشارة إلى أنّ القسم الأكبر من هؤلاء يندرج ضمن فئة الهاربين من وجه العدالة والمَطلوبين بأحكام قضائيّة صدرت بحقّهم غيابيًا. والخلافات بشأن هذا الملف تتركّز بشأن الفئات التي سيطالها العفو، لجهة رفض بعض النافذين أن تطال كبار التًجّار والمُروّجين، وكذلك رفض أن تطال عصابات السطو المُسلّح. لكن وفي حين يضغط "​حزب الله​" لأنّ يشمل قانون العفو العدد الأكبر من هذه الفئة من المَسجونين والمطلوبين، بذريعة طيّ صفحة القطيعة التي يعيشها هؤلاء مع الدولة اللبنانيّة، يرفض "تيّار المُستقبل"-مدعومًا من ​دار الفتوى​ ومن العديد من الشخصيات والهيئات الإسلاميّة السنّية، المُوافقة على هذا الأمر، ما لم يقترن بمُوافقة مُقابلة بأن يشمل قانون العفو "المُتشدّدين الإسلاميّين" الذين يُحاسبون ضمن قانون ​الإرهاب​ الصادر في 1/11/1985 وعددهم نحو 1300 شخص، مع الإشارة إلى أنّ نصف هؤلاء لم تصدر بحقّهم أيّ أحكام قضائيّة بعد. لكنّ المُعارضة للإفراج عن هذه الفئة من المَسجونين واسعة، ولا سيّما من عائلات شُهداء الجيش، ومن "التيّار الوطني الحُرّ" وغيره، كون هذه الفئة بالتحديد تشمل جماعات مُسلّحة تورّطت في عمليّات إرهابيّة ضُد الجيش والقوى الأمنيّة، وضُدّ المَدنيّين الآمنين، بحيث لا يُمكن الإفراج عن هؤلاء وكأنّ شيئًا لم يكن. وتُحاول بعض الأطراف التوصّل إلى حلّ وسطي يقضي بتقسيم ملفّات هؤلاء المُسجونين، لدراسة كلّ ملفّ على حدة، بحيث يتمّ الإفراج عن الأشخاص الذين لم يثبت تورّطهم ب​جرائم قتل​ مُثبتة، فقط لا غير.

وإضافة إلى هاتين الفئتين الأساسيّتين المذكورتين أعلاه، فإنّه من المُرجّح أن يستفيد من قانون العفو نحو 5000 شخص من العائلات اللبنانيّة التي كانت قد فرّت إلى ​إسرائيل​ في العام 2000، خوفًا على حياتها. ويضغط "التيّار الوطني الحُرّ" بدعم من البطريركيّة المارونيّة لطيّ هذا الملف، بهدف فتح صفحة جديدة مع كل اللبنانيّين، تتجاوز ترسّبات الحرب وإرتداداتها، علمًا أنّ قسمًا كبيرًا من هؤلاء غادر أصلاً إلى أماكن مُختلفة في العالم، وبنى حياة جديدة له ولعائلته. إلى ذلك، تُحاول بعض القوى السياسيّة العمل على أن يشمل قانون العفو أيضًا، أعدادًا كبيرة من الأشخاص المسجونين والمطلوبين الذين يحملون الجنسيّات اللبنانيّة والسوريّة والفلسطينيّة وغيرها، مع الإشارة إلى أنّه في حال صُدور القانون إستنادًا إلى المادة 150 من قانون العقوبات(2)، ستسقط كل عُقوبة أصليّة كانت أو فرعيّة عن المُستفيدين من القانون، ما سيجعلهم يستعيدون حُقوقهم المدنيّة كاملة، مع قُدرة اللبنانييّن منهم، والذين بلغوا الواحد والعشرين من عمرهم، المُشاركة في الإنتخابات التشريعيّة!.

في الخُلاصة، يُمكن القول إنّه كلّما خرج قانون ​العفو العام​ من باب التداول، يعود إليه بعد فترة من النافذة–إذا جاز التعبير. وهو في النهاية سيُقرّ على الرغم من كل السيئات التي يحملها، لكن الفترة التي سيستغرقها شدّ الحبال المُتبادل، خصوصًا بالنسبة إلى المُتهمين بمُحاربة وبقتل عناصر ​الجيش اللبناني​، هي التي تؤخّر إقرار هذا القانون.

(1) يُقدّر عدد هؤلاء بنحو 48000 شخص، وقسم كبير منهم ينحدر من مُحافظة البقاع.

(2) جاء في هذه المادة: يصدر العفو العام عن السلطة الإشتراعيّة. ولا يشمل التدابير الإحترازية والتدابير الإصلاحيّة إلا إذا نصّ قانون العفو صراحة على ذلك. لا ترد الغرامات المُستوفاة والأشياء المُصادرة بمُقتضى المادة 69.