ليس عابرا ما صدر عن مسؤول "​حزب الله​" في جبل ​لبنان​ والشمال الشيخ محمد عمرو خلال زيارة وزير الخارجية رئيس ​التيار الوطني الحر​ الوزير ​جبران باسيل​ الى منطقة جبيل نهاية الاسبوع الماضي. فالحزب وعلى لسان عمرو تحدّث ولأول مرة منذ 13 عاما على تفاهم الحزبين عن أن "التيار الوطني الحر هو وجه حزب الله المشرق" بما يوحي بوصول العلاقة بينهما الى مستويات متطورة جدا تلامس حد التكامل!.

ولعل أبرز ما يتوجب التوقّف عنده هو أنّ الحزب لم يحصر حديثه بالدور الذي يلعبه "التيار" معتبرا أنه "دور الأنبياء في التاريخ الا وهو التغيير والاصلاح"، بل ذهب أبعد من ذلك للغزل العلني المباشر بباسيل، اذ تحدث الشيخ عمرو عن "حركة هادفة وذكاء خارق لم نراه من قبل في رجالات لبنان" لافتا الى أنه "يصل إلى قلوب الناس الآن وفي المستقبل الذي نرى فيه الأشياء الكثيرة".

قد يكفي ما سبق ليثير استياء وريبة واستغراب أخصام باسيل من هذه المحبّة والغزل الذي قد يعتبره البعض مفرطا، لكن الحزب لم يكتفِ بذلك وقدّم لوزير الخارجية هديّة رمزيّة عبارة عن قذيفة استخدمها حزب الله في معركة تحرير جرود عرسال في العام 2017، مكتوبًا عليها "الوزير المقاوم"، وهو ما دفع كثيرون للقول ان الحزب حسم أمره لجهة تحديد الشخصيّة التي ستخلف ​الرئيس ميشال عون​ في رئاسة الجمهورية. اما مصادر مقربة من الحزب فتستغرب الربط بين ما ورد على لسان عمرو وما بين استحقاق الرئاسة المقبل والذي لا يزال بعيدا، مشدّدة على أنّ "الزّيارة شكلا ومضمونا تنحصر الى حدّ بعيد في سياق ترتيب الأوضاع في جبيل ولملمة ذيول الانتخابات النيابيّة بعد عام من اجرائها، حيث خاض الطرفان مواجهة قاسية وخسراها نظرا الى سوء تقدير من قبلهما، وقد آن الأوان اليوم ومن بعد أن بردت الامور لاصلاحها، باعتبار انه كان يتعذر المساس بها مباشرة عشيّة انتهاء الاستحقاق الانتخابي".

ولا تنفي المصادر أن للمواقف الصادرة من جبيل رمزيتها في مرحلة حسّاسة تمر فيها البلاد والمنطقة، لافتة الى "أهميّة الاندماج أكثر وأكثر بين الفريقين لتحصين لبنان بعد انطلاق التهيئة لصفقة القرن، ما سيجعل المنطقة متأجّجة خلال الشهر المقبل وبالتالي يحتاج الكثير من التضامن بين المكونات اللبنانيّة لمواجهة التحدّيات الجمّة".

أما مصادر "الوطني الحر" فترفض لا شك مقاربة غزل الحزب من بوابة الاستحقاق الرئاسي المقبل، وتعتبر انه مرتبط الى حدّ بعيد بتأييد حزب الله لمواقف ورؤية باسيل الاقتصاديّة، كما حركته في مجال مكافحة الفساد والاهمّ موقفه الثابت بدعم ​المقاومة​، لافتة الى ان التيار تقدم الى الحكومة بورقة اقتصاديّة لم تنحصر بتحديد الخطوات والابواب التي يجب طرقها لتأمين خفض العجز، بل وضعت اسس بناء رؤية اقتصاديّة شاملة قادرة وحدها على انتشال الدولة مما هي فيه، وهي رؤية يؤيّدها ويدعمها حزب الله تماما. وتضيف المصادر: "لا شك أن الحزب يرحب تماما بمواقف رئيس الجمهوريّة ميشال عون والتيار والوزير باسيل سواء في القمم العربية وفي موسكو او في لقاءاتهم بالمسؤولين الدوليين لجهة تمسكهما بدعم المقاومة ورفض اي تنازل بوجه ​اسرائيل​".

وتستهجن المصادر كيف أن بعض النواب والنواب السابقين لم يقرأوا بكل ما جرى خلال الزيارة الا "سلاحا غير شرعي اهداه حزب الله للوزير باسيل"، مذكرة بأنّ "السلاح هذا بقايا قذيفة استُخدمت بوجه الارهابيين والتطرّف، وبالتالي لا نتعاطى معها كسلاح غير شرعي، تماما كما حين تستخدم للتصدي للاحتلال الاسرائيلي". وتختم المصادر قائلة: "فليعودوا الى كل البيانات الوزاريّة للحكومات المتعاقبة منذ سنوات، واذا وجدوا بما حصل ما يناقض ثلاثية جيش–شعب–مقاومة فليسائلونا حينها|!.

بالمحصّلة، لا شكّ أن ما شهدته جبيل السبت الفائت سينطبع في ذاكرة الكثيرين، سواء الوزير باسيل او اخصامه السياسيين وأبرزهم رئيس تيار "المردة" ​سليمان فرنجية​، ولا شكّ ايضا ان البعض سيسجّله هدفا كبيرا لصالح باسيل في معركة الرئاسة المقبلة.