مرة أخرى تذهب حكومة العدو الصهيوني برئاسة بنيامين نتنياهو إلى تنفيذ عدوان همجي ضدّ ​قطاع غزة​ المحاصر سعياً منها إلى تغيير قواعد الاشتباك مع ​المقاومة الفلسطينية​، وبالتالي كسر معادلة الردع التي فرضتها المقاومة وكبّلت وقيّدت قوة جيش الاحتلال ومنعته من فرض قواعده في الميدان… واستطراداً تحقيق أهدافه العسكرية والسياسية في إلحاق الهزيمة بالمقاومة وفرض الشروط الإسرائيلية عليها، مقابل فك الحصار عن القطاع… أيّ إخضاع قطاع غزة ونزع سلاح مقاومته، مقابل إعادة فتح البوابات المصرية و»الإسرائيلية» المحيطة بالقطاع..

لكن مجدّداً تفشل الحكومة الصهيونية في تحقيق أهدافها، وتنجح المقاومة في تكريس معادلتها الردعية، من خلال الردّ القوي على العدوان بقصف المستعمرات الصهيونية في جنوب ​فلسطين المحتلة​ وتحويل حياة الصهاينة فيها إلى جحيم لا يُطاق.. وتهديد المقاومة بتوسيع دائرة القصف ليطال العمق الصهيوني في ​تل أبيب​ وغيرها من مناطق الاحتلال الحيوية والمركزية.. هذا التطوّر أدّى عملياً إلى حرب استنزاف متبادَلة، بين قطاع غزة وكيان الاحتلال.. مقابل الدمار وسقوط الشهداء والجرحى في صفوف المواطنين العرب الفلسطينيين، هناك خسائر وقعت في صفوف العدو، إذا لم تكن بنفس النسبة، إلا أنها ليست قليلة، حيث أدّت صواريخ المقاومة إلى قتل وجرح عشرات الجنود والمستوطنين، ونجاح المقاومة في تدمير ناقلة جنود وجيب عسكري بصاروخين من نوع كورنيت وقتل وجرح من بداخلهما، وقد جرى تصوير لحظة إطلاق الصاروخين وإصابتهما للعربة العسكرية والجيب، مما كان له أثره في رفع معنويات المقاومين والجماهير الفلسطينية، وإضعاف معنويات الجنود والمستوطنين الصهاينة، خصوصاً أنّ صواريخ المقاومة نجحت في شلّ الحياة في جميع المستعمرات الجنوبية من فلسطين المحتلة… ودفع المستوطنين إلى ملازمة الملاجئ…

هذا المسار من المواجهة، أدّى عملياً إلى النتائج التالية:

النتيجة الأولى: تنامي مأزق حكومة العدو، في ظلّ انسداد الآفاق أمام خياراتها العسكرية، فالاستمرار في حرب الاستنزاف يدفع المستوطنين إلى مزيد من النقمة ضدّ حكومة نتنياهو، في حين أنّ الذهاب إلى خيار توسيع العدوان باجتياح قطاع غزة، ليس مضمون النتائج، عدا عن أنه قد يؤدّي إلى غرق جيش الاحتلال في حرب استنزاف من العيار الثقيل لما تملكه ​فصائل المقاومة​ من قدرات قتالية وعسكرية، وبالتالي احتمال كبير ان تجد حكومة نتنياهو نفسها أمام تكرار مشاهد ما تعرّض له ​الجيش الإسرائيلي​ في جنوب لبنان عام 2006، وتكون النتيجة هزيمة جديدة مدوية.. طبعاً هذا إلى جانب أنّ صواريخ المقاومة سوف تضرب العمق الصهيوني وتشلّ الحركة في الكيان الاحتلالي..

النتيجة الثانية: اعتراف الخبراء والمحللون الصهاينة بتطوّر أسلوب المقاومة ونوعية الأسلحة التي استخدمتها من طائرات بدون طيار إلى صواريخ كورنيت، والإقرار بأنها تعلّمت كيفية مواجهة الجيش الإسرائيلي.. ما يعني أنها نجحت في إدارة معركة استنزاف باقتدار وذكاء..

النتيجة الثالثة: انكشاف هشاشة الجبهة الداخلية الصهيونية بعدم قدرة المستوطنين الصهاينة على تحمّل حرب الاستنزاف وممارسة الضغط على حكومتهم..

هذه العوامل أجبرت حكومة نتنياهو على العودة إلى التفاوض مع فصائل المقاومة عبر مصر وقبول العودة إلى التهدئة لكن بشكل متزامن، وعلى أساس التسليم بالعديد من مطالب المقاومة بتخفيض الحصار المفروض على القطاع، ووقف إطلاق النار من قبل جيش الاحتلال على مسيرات العودة.. ما يعني رضوخ حكومة العدو لشروط المقاومة للعودة إلى التهدئة، وفشل مدوّ للعدوان الصهيوني، بنسخته الجديدة، في محاولة استعادة زمام المبادرة، وكسر معادلة الردع التي فرضتها المقاومة.. وهو ما عبّرت عنه ردود الفعل الصهيونية، التي تجسّدت:

1 ـ في توجيه انتقادات حادة لحكومة نتنياهو، واعتبار قبول المجلس الوزاري المصغر لوقف النار بمثابة خضوع لشروط المقاومة الفلسطينية.. واتهام نتنياهو بالجبن والاستسلام.. فيما تبادل المستويين السياسي والعسكري تحميل الآخر مسؤولية الفشل في مواجهة المقاومة وعدم القدرة على استعادة زمام المبادرة…

2 ـ انضمام حزب الليكود الذي ينتمي إليه نتنياهو إلى المنتقدين للحكومة واعتبار ما حصل لا ينطوي على أيّ إنجازات…

3 ـ اعتراف وسائل الإعلام الإسرائيلية بنجاح المقاومة في استنزاف الكيان الإسرائيلي وتوجيه ضربات مؤلمة له…

خلاصة الأمر، يمكن القول إنّ جولة المواجهة الجديدة، بين المقاومة في غزة وجيش الاحتلال الصهيوني، دلّلت على تجذّر خيار المقاومة، وتنامي قدرات المقاومين الردعية، وانحياز ​الشعب الفلسطيني​ بقوة إلى جانب المقاومة وتعزّز ثقته بقدرتها على الدفاع عنه وعن حقوقه الوطنية المشروعة، وأنه مستعدّ لتحمّل الخسائر، على عكس المستوطنين الصهاينة، الأمر الذي يشكل هزيمة كبرى لكلّ المخططات الصهيونية والرجعية العربية التي أرادت من فرض الحصار على قطاع غزة زيادة المعاناة لدى أبنائه ودفعهم إلى الانتفاضة ضدّ فصائل المقاومة، والانحياز إلى جانب خيار ​السلطة الفلسطينية​ بالقبول بالتخلي عن المقاومة وسلاحها.. على أنّ فشل هذه المخططات في هذه التوقيت بالذات، يوجه صفعة قوية لمشروع ​صفقة القرن​ الهادف إلى تصفية قضية فلسطين، واستطراداً للأنظمة العربية الرجعية المتخاذلة التي تعمل على محاولة تسويق هذه الصفقة الاستسلامية، وتكريس الاحتلال الصهيوني لفلسطين والاعتراف بشرعية اغتصابه لحقوق الشعب الفلسطيني والأمة في أرض فلسطين.. لكن محاولات هذه الأنظمة ومعها الإمبريالية الأميركية اصطدمت بإرادة المقاومة التي تزداد تجذراً وصلابة وقوّة وقدرة في الدفاع عن عروبة فلسطين، وحماية الحقوق المسلوبة والنضال من أجل استعادتها من المحتلين الصهاينة مهما طال الزمن…