كيف تصرّعت الجبابرة يبكي الملك داود راثيًا شاوول البطل، كيف هوت الأبطال على الجبال العالية المكلّلة ب​الثلج​ و​الأرز​ وغار مجد ​لبنان​ وصمود الصمت الصارخ جبروتًا وعزّةً وعنفوانا وكبرا واباء وصلابةً ورهبةً.

صمته يضجّ صراخًا وهدوءًا في العقول والقلوب والحناجر، والليل الأسود يلفّ الوطن الجريح المكسور الخاطر. ووقف البطريرك ​مار نصرالله بطرس صفير​ وقفة المارد صارخًا بوجه الجيوش الغريبة: اخرجوا من لبنان، اتركوا وطني حرًّا كريمًا، ارحلوا عن أرض أجدادي وآبائي المجبولة بالعنفوان والدماء والشهادة والكرامة والشرف.

صرخ بوجه الجيوش الأجنبية صرخته المدويّة، فاهتزّت جبال الوطن بهجة وتلاله حبورا وامتشقت أرضه سيف العزّ والمجد والرجولة والبطولة، فانهزمت الجيوش الأجنبية الغريبة، ففرّت هاربة عن تراب الوطن المعطّر والمضمّخ بدماء الأبطال والشجعان والشهداء والرجال المنتصبة كأشجار الأرز في لبنان وفرّت هاربة أمام البطريرك الهادئ عن تراب الوطن المعطر.

المارد والصامت والهادئ يصلي عبق عطر الحرية على تراب الوطن المقدّس، وانتشر العنفوان وعلت ​الصلاة​ لفداء الوطن الحبيب لبنان، وصغر الموت والاستشهاد، والبطريرك صفير وحيدًا يقف هاتفًا لحرية الوطن وكرامة أبنائه والانخزال والتملق والمراوغة الانتهازية سلوكيات الخجل على دروب لبنان.

علا صوت نفير نداء البطريرك ليكسر حاجز صمت وخوف الجميع وحيرة السائلين عن مخلّص ومنقذ وقائد للوطن الجريح المقهور من احتلال دام أكثر من 30 سنة، ذاق فيها أهله جميع أنواع الاستغلال والذل والمهانة.

في أيام الظلم والظلام، وكأنّنا حرمنا ​الحياة​ مع حرماننا الحرية، "قال ما قاله" ومشى ورعيته معه، ولم تقتلع جذورها، وهي عميقة تمتدّ من الشواطئ إلى السهول والجرود والجبال وقلوب الأطفال والنساء والرجال.

وجنّ جنون بعض أبناء الوطن بوجه الرجل الساكن والهادئ والصامت، الصارخ دومًا للحرية، فرقصوا ساعة مهانته ومسّوا كرامة شخصه ومكانته، فدنسّوا بالشر والعار والرذيلة والخجل. تاريخ البطريركية المجيد وشخص بطريركها الكبير العظيم الواقف صامدا بوجه جميع المصائب والويلات النازلة على الوطن وصدر أبنائه، وهم يقاومون الأقدار الّتي تريد أن تقتلعهم من أرضهم وأرزاقهم وتاريخهم، ليعطوا خيرات أجدادهم لشعوب غريبة من الذي يمس ويدنس الوطن المقدس فنزل الغضب الالهي عليه وهو واقف حاملا لبنانيته دون أن تتنافى مع مارونيته.

"المقاوم الهادئ"، كما قال صديقي الدكتور ​أنطوان سعد​ واجه بالصمت والصلاة، وهدوء وسلام نفسي وسكينة وطمأنينة المتأكّد من أحقيّة رأيه وصوابيّة كلامه، وأمانته لتاريخ البطاركة أسلافه، تطبعه الإستقامة والبسمة الهادئة والسكينة السلوكية النابعة من قوة النعمة الّتي سكنته وتجلّت بحياته المقتضبة وسلوكيّاته الوادعة البسيطة المتواضعة الصامدة على مواقفها وكلامه: "هذا ما قلناه" أو "قلنا ما قلناه".

رحل بسكينة وهدوء، كما عاش بسكينة وهدوء. قاوم قلبه حتّى النهاية، سلّم الروح بوداعة وسلام، عائدًا إلى مجد الآب السماوي، مكلّلا بغار المجد، وشلوح الأرز تلوّح له كما لأسلافه الأجداد والبطاركة السابقون. لذلك، واجب علينا كما يقول الكتاب المقدّس أن نمجّد الرجال النجباء.

أباؤنا الذين ولدنا منهم، وهم الحكماء وأصحاب الرأي الذين أعطوا مجدًا لأمتنا. والحق يُقال، مجد لبنان أعطي له، مع كلّ الحب وورق الغار والدموع.

ونحن "لم نذهب إلى غيرك" بل بقينا معك لأننا عرفنا أنّك مرسل لنا من قبل الله يا سيدي، فارقد بسلام، لأنّ الوديعة بأمان بين أيدي خليفتك البطريرك ​مار بشارة بطرس الراعي​، فأنت بطريرك ​مصالحة الجبل​ بطريرك ​الاستقلال​ الثاني الذي لا يهاب الموت.

فانت يا سيدي غبطة البطريرك مار نصرالله بطرس صفير الكلي الطوبى، تولد اليوم في السماء في زمن ميلادك على الأرض، فأنت في ولادة متواصلة، ومعك استمرّ ميلاد المارونيّة ولبنان وشعبه على الحرية والكرامة والسيادة والعيش المشترك والعزّة والاستقلال. مبارك يوم مجيئك، ومبارك يوم ذهابك. تذكارك سيبقى مؤبّدًا على إكليل غار مجد لبنان، وحبّنا وتعظيمنا لك أيها العظيم بين البطاركة.