يبدو ان ​الحكومة اللبنانية​، ومن خلال محاولتها إعداد ​الموازنة​ العامة للعام 2019، كان لديها ما يمكن تسميته plan A، وplan B.

الـ plan A كان يرتكز على خفض رواتب ​القطاع العام​ بكل فئاته وعلى إعادة النظر بالتقديمات والمنح وعلى تعديل الإجراءات المتعلقة بالتدبير الرقم 3 للعسكريين، بالإضافة إلى الإجراءات المتعلقة ب​المصارف​ و​الأملاك البحرية​.

بدأ بعض الوزراء يهيئون لاتخاذ هذه الخطوات من خلال التصريحات والتلميحات.

أحد الوزراء قال: "ما لم يحصل خفض في الرواتب فقد نصل إلى يوم تصبح فيه الحكومة عاجزة عن دفع الرواتب".

لكن يبدو ان الذين قبضوا ​سلسلة الرتب والرواتب​ باتوا يعتبرونها حقًا مكتسبًا، والذين يقبضون فوارق التدبير الرقم 3 يعتبرونه حقًا مكتسبًا، وان أي مس بالمكتسبات والمنح لن يمر على الإطلاق.

***

وبدأت ردات الفعل، وأسرعها في الشارع: نزل ​المتقاعدون​ والأساتذة، واعلنوا انهم لن يخرجوا من الشارع إلا بعد ان يتأكدوا أن مكتسباتهم لن تُمس.

ويبدو ان الحكومة استشعرت حجم الرفض فانتقلت إلى الـ plan B من خلال البدء بإجراءات تطال ​القطاع المصرفي​ والاستيراد:

قيل للمصارف أولًا أن لا رفع للضريبة على الفوائد بل اكتتاب بسندات الخزينة بفائدة 1 في المئة، أو بواحد من الإثنين، لكن حيال السقوط المريع للـ plan A، اتجهت الحكومة كليًا لتتكئ على المصارف، حتى انها اخلَّت معها:

رفعت نسبة الضريبة على الفوائد من سبعة في المئة إلى عشرة في المئة.

ستفرض عليها اكتتابات في سندات الخزينة بفائدة صفر في المئة.

***

هل تعلم الحكومة ان المصارف هي الملاذ الأخير، وتكاد ان تكون الخرطوشة الأخيرة؟

إذا كان بالإمكان الإستعانة باموال المصارف، وهي اموال المودعين، هذه ​السنة​، لموازنة العام 2019، فإن ما يجب ان تعرفه الحكومة أنه لن يكون بمقدورها ان تستخدم أموال المصارف للسنة المقبلة لموازنة العام 2020، فعندها ماذا ستفعل بالنسبة الى موازنة 2020 وهي التي يجب البدء بإعدادها بعد ثلاثة أشهر لتكون جاهزة أمام ​مجلس النواب​ في بدء دورته العادية في منتصف تشرين الأول المقبل؟

إذا كانت الحكومة لا تستطيع تمويل موازنة 2019، فكيف ستستطيع تمويل موازنة 2020؟ واذا كانت ستأخذ من المصارف لتمويل موازنة العام 2019، فمن أين ستأخذ لتمويل موازنة العام 2020؟

***

الحكومة، بهذا المعنى، في حال هروب إلى الأمام، فمقولة "أصرف ما في الجيب، يأتيك ما في الغيب" لن تكون مطابقة على الإطلاق، فما في الجيب، أي في المصارف، هو الموجود الفعلي، اما ما في الغيب فهو "كالسمك في البحر"، واصطياده ليس مضمونًا.

***

بهذا المعنى فإن الحكومة في وضع متنقل من مربع A الى مربع B، فإذا كانت غير قادرة على إتخاذ القرارات السهلة فكيف سيكون بإمكانها اتخاذ القرارات الصعبة؟

طلب وزير الاتصالات الجريء ​محمد شقير​ وضع حد للخطوط الخليوية الخمسة آلاف التي تدفع فواتيرها ​وزارة الاتصالات​، فلماذا أعطت الحكومة شهرين لأصحاب هذه الخطوط؟ ولماذا لم يتم توقيف هذه الخطوط لحظة إتخاذ القرار؟

بالمعنى ذاته طلبت إعطاء مهلة شهرين للمقالع والكسارات ومعظمها غير مرخص، ولهذا فإنها تعمل بأقصى طاقتها ليلاً ونهاراً لإستخراج البحص والرمل قبل انتهاء المهلة، فلماذا أُعطيت المهلة؟