لم تستعد العلاقة بين «حزب الله» و»الحزب التقدمي الاشتراكي» بعد إيقاعها المنتظم، ولا يزال «الإسمنت السياسي» يرتفع بين الجانبين، بعدما أخفق لقاء المصارحة الأخير الذي استضافه رئيس مجلس النواب نبيه بري في رأب الصدع الذي تسبّب به معمل الإسمنت في عين دارة ثم اتسع عقب موقف رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط من مزارع شبعا.

صحيح، أنّ لقاء وفدي الحزبين برعاية بري، نجح الى حدٍّ كبير في تحقيق التهدئة الإعلامية، إلّا أنّ جمر الخلاف لم ينطفئ وإن كان يتوارى تحت الرماد.

ويبدو أنّ بري مصمِّم في المقابل على المضي في مبادرته التوفيقية، على رغم من الصعوبات التي تعترض وساطته، وهو استقبل السبت الماضي الوزير السابق غازي العريضي وأبلغ اليه إصراره على الاستمرار في مسعاه، وبحث معه في سبل تفعيله انطلاقاً ممّا انتهى اليه الاجتماع الاول بين قياديين من الطرفين.

وكان لافتاً قبل أيام، حضور مسؤول «حزب الله» في البقاع الغربي أحمد قمر للاحتفال الذي نظّمه «الحزب التقدمي الاشتراكي» في مركز كمال جنبلاط الثقافي الاجتماعي في بلدة راشيا لمناسبة إفتتاح معرض الكتاب والفنون الـ19 في سياق إحياء العيد الـ70 لتأسيس «الاشتراكي»، حيث حرص المنظمون على استقباله جيداً وتخصيص مقعد له في الصف الأول.

افترض «الاشتراكيون» انّ مشاركة قمر في تلك المناسبة قد تكون إشارة إيجابية من «الحزب» في اتجاه إنهاء القطيعة المستجدة وإعادة مدّ الجسور على مستوى الكوادر الحزبية، لكنهم ما لبثوا أن تمهّلوا في إطلاق أيّ استنتاج من هذا النوع، بعدما لاحظوا أنّ «الحزب» غاب عن احتفال آخر في حاصبيا.

لا يصدّق «الاشتراكي» أنّ أصل الموقف السلبي الذي اتخذه «حزب الله» حيال جنبلاط ينبع حصراً من اعتراضه على قرار وزير الصناعة وائل ابو فاعور بإلغاء الترخيص الذي كان الوزير السابق حسين الحاج حسن قد منحه الى آل فتوش لإنشاء معمل إسمنت في عين دارة. بالنسبة اليه، لا تستحق مسألة المعمل كل هذا التشنج، وهي ليست سبباً مقنعاً، في رأيه، لتفسير الحدة في رد فعل «حزب الله» وقراره بمقاطعة جنبلاط.

وما يزيد من حيرة «الاشتراكي»، هو «أنّ «حزب الله» تَقَبّل أن تسري قاعدة ربط النزاع على ملف خلافي كبير من وزن الملف السوري، بينما أسقط هذه القاعدة وتصرف بحساسية مفرطة إزاء التباين في الرأي حول معمل إسمنت، فكيف يمكن تنظيم الخلاف في شأنٍ استراتيجي ويتعذّر ذلك في شأن أقل أهمية؟»، كما يتساءل مطلعون على موقف الاشتراكي.

وبناءً عليه، يعتبر الاشتراكيون انّ ما هو معلن ليس سبباً وجيهاً وكافياً للأزمة الطارئة، وأنّ هناك أمراً غامضاً يكمن خلف الموقف الحاد الذي إتخذه «الحزب»، لافتين الى أنّ ما صدر عن جنبلاط حيال مزارع شبعا استجد لاحقاً، وبالتالي فإنّ المشكلة الحقيقية هي في مزارع عين دارة لا شبعا.

على الضفة الاخرى، يستغرب «حزب الله» بدوره السقف المرتفع الذي وصلت اليه مواقف جنبلاط، بدءاً من إلغاء ترخيص المعمل بين ليلة وضحاها مع أنه يستوفي كل الشروط القانونية وصولاً الى عدم الاعتراف بلبنانية مزارع شبعا في لحظة اقليمية شديدة الحساسية، ما أدى الى اهتزاز معادلة «ربط النزاع» التي ضبطت نبض العلاقة بين الجانبين لفترة طويلة.

ويؤكد القريبون من «حزب الله» أنّ جذور الخلاف المستجدّ تعود أساساً الى معمل عين دارة، ليس من زاوية التمسك بالمعمل والحرص على أصحابه، وانما من زاوية تأكيد صوابية الترخيص الذي منحه وزير الصناعة السابق حسين الحاج حسن بعد دراسة قانونية معمقة، وبعلم الجهات الرسمية المعنية من رئاسة مجلس الوزراء الى وزارتي الداخلية والبيئة.

ويعتبر القريبون من «الحزب» انّ مبادرة وزير الصناعة وائل ابو فاعور بعد مدة قصيرة من تسلمه حقيبة وزارة الصناعة الى إلغاء قرار الحاج حسن شكّل إساءةً الى صدقية «الحزب» ونزاهته في وقت يخوض معركة مفصلية ضد الفساد، وبالتالي فإنّ رد فعله أتى دفاعاً عن صحة القرار وليس عن المعمل في حد ذاته، ودفاعاً عن الوزير الحاج حسن وليس عن آل فتوش، «لأن من غير المقبول إعطاء انطباع أنّ «الحزب» يتهاون في التعامل مع مظاهر الفساد، فيما هو يواجهها بكل قوة».

ويروي هؤلاء أنّ بري عرض خلال لقاء عين التينة إعادة تنظيم الخلاف على قاعدة القبول بقرار مجلس شورى الدولة، فأجابه المعاون السياسي للامين العام لـ»حزب الله» الحاج حسين خليل أنه موافق، بينما رفض ممثلو «الاشتراكي» هذا الطرح، مؤكدين الاستمرار في رفض المعمل بكل الوسائل.

الى أين من هنا؟

يؤكد مصدر «اشتراكي» انّ حزبه ليس من هواة القطيعة مع «حزب الله» وأن ليس هناك قرار بالذهاب الى مواجهة ضده، نافياً أن تكون لدى جنبلاط أيّ رهانات إقليمية أو دولية في هذا الصدد، بل هو من أكثر المنادين بتحييد الوضع الداخلي عن الأزمات الخارجية.

ويشدد المصدر على أنّ الكرة هي الآن في ملعب «الحزب»، وهو الذي يستطيع أن يدفع نحو الانفراج أو استمرار الخلاف، «علماً أننا من جهتنا لسنا في وارد التصعيد».