لم تبذل قيادتا "​التيار الوطني الحر​" وتيار "المستقبل" حتى الساعة أيّ جهد يذكر لاحتواء السجال غير المباشر الذي اندلع بينهما، واحتدم في الأسبوع الماضي على خلفية ما نقل عن وزير الخارجية ​جبران باسيل​ بخصوص السنّية والمارونيّة السّياسيّة، وما تلاه من هجوم اعتبر "المستقبل" أن العونيين يشنّونه على مدير عام قوى الأمن الداخلي ​اللواء عماد عثمان​. الا أن الاعلام الأزرق بات يمهّد لحركة استيعابيّة لما حصل، فبعد خروج تلفزيون "المستقبل" في الآونة الأخيرة بمقدمة حملت عنوان "عنتريات" باسيل: أصبح عبئا على العهد، آثر أخيرا على ما يبدو "تنفيس" الاحتقان الذي سيطر على جمهوري التيّارين، والتمهيد لتطورات ايجابيّة جديدة تعيد تمتين التسوية الرئاسيّة وبالتالي العلاقة مع "الوطني" الحر"، من خلال توجيه اللوم لبعض "المستقبليين" من خلال مقدمة حملت عنوان: لسان حال الحريري: اللهم احمني من أصدقائي أما أعدائي فأنا كفيل بهم، وأخرى هاجمت "المقرّبين" من رئيس الحكومة الناطقين باسمه، بما بدا اشارة واضحة أنّه يسعى للتبرؤ منهم ومن مواقفهم.

واذا كانت أيّ نتيجة ستخلص اليها الحركة المرتقبة هذا الاسبوع على خط السراي الحكومي–القصر الجمهوري كما السراي الحكومي–وزارة الخارجية هي خلاصة تمحيص وتدقيق الفريقين بمصلحتهما من استمرار التفاهم السياسي بينهما، فان ما شهدته أخيرا علاقة بيت الوسط–المختارة من تصدّعات، مؤشّر على حجم التراكمات التي أدّت لفيضان الكوب، ما دفعهما للدخول في سجال لم يكن متوقعا في التوقيت أو حتى في المضمون. اذ يبدو واضحا وبغياب أثر الثوابت الوطنية على التحالفات والتفاهمات السياسية القائمة، ان كل القوى السياسيّة باتت تقيس مواقفها وحركتها تبعا لما تقتضيه مصالحها الحزبيّة حصرا. والأرجح أن رئيس الحزب "التقدمي الاشتراكي" ​وليد جنبلاط​ وصل الى مرحلة لم يعد فيها قادرا على استيعاب التقارب الحريري–الباسيلي (رغم بعض شوائب العلاقات أحيانا بين الرجلين) الذي يضر بمصالحه وبخاصة بعدما كانت علاقته بالحريري فوق اي اعتبار في المرحلة الماضية، ليأتي أخيرا من ينافسه على أولويات رئيس الحكومة. وتؤكد مصادر "التقدمي الاشتراكي" أن رئيسه لا يبحث عن افتعال سجال لا مع "المستقبل" أو مع سواه، لافتة الى أن المنطلق لأيّ انتقاد ليست شخصيّة أو انتقاميّة، انما تتحدّد بعد دراسة وبحث حول الملفّ او القضيّة المطروحة. وتضيف المصادر: "لا يُخفى على أحد التدهور الذي يشهده الوضع الداخلي في ​لبنان​ بحيث تغيب بشكل شبه كلي مراعاة موازين القوى الداخليّة التي نص عليها اتّفاق الطائف، والذي يحاولون ضربه عرض الحائط كما الأصول الدستوريّة انفاذا لتسويات سياسيّة أقرب لاتفاقات المصالح". وتنبه المصادر من مفاخرة بعض القوى بأنّها تقوم بتعديل "الطائف" بالممارسة، معتبرة أنّ "هذا أخطر ما يمكن أن يحصل بغياب الاجماع الوطني".

وكما بات واضحا فانّ كل القوى السياسيّة لم تعد تتردّد بالاعلان الواضح والصريح أن تنسق تفاهماتها السياسية "على القطعة"، معتبرة أن موضة "الجملة" ولّت ولم تعد تنفع وفق الظروف الداخليّة والاقليميّة القائمة حاليّا، ما يجعل المشهد السياسي اللبناني مفتوحا على كل الاحتمالات ولعبة التحالفات والتفاهمات الناشطة بغياب أيّة ثوابت أو ضوابط.