ضجّ الشارع ال​لبنان​ي بالصخب والتحليلات بعد الإعلان عن تحديد مهلة لسحب السلاح، وفق خطة شهدت تكليف ​الجيش اللبناني​ وضع ورقة تنفيذية لهذا الغرض. هذا القرار الذي يعدّ الأول من نوعه منذ عقود، يدخل لبنان في منعطف حاسم يتقاطع فيه السياسي بالأمني، والوطني بالإقليمي، ويضع "​حزب الله​" وحليفه الرئيسي رئيس مجلس النواب ​نبيه بري​، أمام معضلات غير مسبوقة.

منذ إعلان القرار، عبّرت حركة أمل وحزب الله عن رفض صريح له، معتبرين أن نزع السلاح في هذا التوقيت يعدّ استهدافاً مباشراً لما يسمّى "خيار المقاومة". غير أن تعقيد المشهد لا يقتصر على هذا الرفض، بل يتعداه إلى المواقف التي سيتخذها بري، بصفته الرسمية والحزبية، وهو الذي أمضى أكثر من ثلاثة عقود في قيادة البرلمان. أي قرار يصدر عنه الآن سيكون له انعكاسات عميقة على موقعه السياسي والرمزي، وقد يهدد بجرف إرثه التفاوضي والتسويات التي انطلقت من عين التينة، في حال لم يتمكّن من إدارة هذه المرحلة الدقيقة بما يحفظ توازنات الداخل والطائفة الشيعية معاً.

على الضفة الأخرى، يجد حزب الله نفسه أمام معضلة وجودية. القبول بتسليم السلاح، وإن تدريجياً، يعني بنظر جمهوره ومحازبيه نهاية دوره كـ"مقاومة"، ما يفقده الهالة التي بناها على مدى عقود. أما رفض القرار والدخول في مواجهة محتملة مع الجيش، فيعني انخراطه في مسار تصادمي لن يؤدّي في نهاية المطاف سوى إلى نهايته عسكرياً وسياسياً، خصوصاً اذا اخذنا في الاعتبار تحوّل الرأي العام اللبناني ضده بشكل كبير.

الأمين العام السابق للحزب، الشهيد السيد حسن نصر الله، كان يدرك هذه المعادلة جيداً، ولهذا بنى طوال فترة قيادته للحزب استراتيجية تقوم على تأمين الحاضنة الشعبية اللبنانية، وليس فقط الشيعية. وكان يعلم أن خسارة هذا الغطاء الوطني تعني سقوط الحزب، مهما بلغ حجم قوته العسكرية. الحزب اليوم يخاطر بفقدان هذا الاحتضان، إذ إن الطوائف المسيحية والسنية والدرزية باتت ترفض استمرار الحزب على هذا النحو، فيما تؤيده فقط شريحة محصورة من المحازبين.

اما في ما خص مسألة مواجهة الإرهاب السنّي المتطرف التي يراها الحزب مبرراً لاحتفاظه بالسلاح، فهي مسألة يمكن وضع حد لها بفاعلية باعتبار أن الجيش اللبناني أثبت قدرته وجدارته في مواجهة تنظيمات كـ"داعش" وأخواتها، وحتى خلال معارك نهر البارد. فلبنان، بخلاف سوريا، يتمتع بتركيبة وبيئة سياسية وأمنية مختلفة، تجعل من المؤسسة العسكرية قادرة على التعامل مع أي خطر مماثل.

وإذا كانت الدولة تراهن على تطبيق قرارها عبر الجيش، فهي تدرك في الوقت نفسه أن أي مواجهة مباشرة بين الجيش والحزب ستُفهم وكأنها صدام بين الدولة والطائفة الشيعية، وهو ما قد يؤجج التوتر الطائفي، ويدفع نحو انفجار داخلي واسع. الأخطر من ذلك، أن امكان دخول إسرائيل على الخط، سيظهر وكأن الدولة متحالفة معها ضد جزء من شعبها، وهو مشهد بالغ الخطورة، قد ينعكس سلباً على شرعية الدولة نفسها، ويعطي الحزب سبباً لمزيد من التسلح والتشبث بسلاحه.

في الخلاصة، نحن أمام لحظة لبنانية شديدة الحساسية. فالدولة امام امتحان اثبات نفسها امام العالم، بطريقة لا تضعها في مواجهة مع شريحة لبنانية يمكن ان تهدد السلم الأهلي، والحزب أمام مأزق تاريخي: إما أن يندمج نهائياً في الدولة ويؤمّن استمراريته السياسية والحزبية، أو أن يواجه عزلة وطنية قد تكون بداية نهايته، او اعتماد خيار المقاومة ضد الدولة فيخسر عندها سبب وجوده.