غرد أحد المواطنين العرب الذي يعيش في ​فرنسا​، وحصل على جنسيتها، لكنه يواظب على متابعة أحوال ​الدول العربية​، تعليقًا على اعتكاف ​القضاة​ في ​لبنان​، فكتب:

"يعمل القاضي الفرنسي من ٨ صباحاً حتى ١٠ ليلا كمعدل وسطي وفي بعض الأحيان حتى ٢ ليلاً! كي تتمكن السلطة القضائية مِن إصدار الأحكام في المهل التي نصّ عليها القانون، يتجنب القضاة الظهور في الأماكن العامة ويتجنبون "العلاقات العامة".

وفي تغريدة ثانية كتب:

"سياراتهم أقل مِن عادية، لا يتمتعون بأي نوع من الحصانة، لا يوجد أي نوع مِن "المرافقة"، يُطبق عليهم ​قانون السير​ ويخضعون كغيرهم من باقي الناس لفحص نِسب ​الكحول​ في حال قيام ​الشرطة​ بـ "الكنترول"، يدفعون غرامات السرعة الزائدة. هم أناس أقل من عاديين".

***

بصرف النظر عن هذه التغريدة، فإن المواطن اللبناني هاله ما يجري في البلد:

إضراب​ٌ للقضاة شلَّ عمل المحاكم وقصور ​العدل​ بشكلٍ لم تشهده البلاد في تاريخها المعاصر، ما يضع "دولة القانون" برمَّتها على المحك. فما نفع كل شيء إذا لم يكن ​القضاء​ بخير؟

يُروى من التاريخ المعاصِر أنه كانت مئات الطائرات الألمانية وعلى مدى أشهر متواصلة تضرب المدن البريطانية بعشرات الآلاف من أطنان القنابل. وكان للندن النصيب الأكبر منها.

بعض ​ضباط الجيش​ قابلوا تشرشل وقالوا له: لقد شارفت البلاد على الدمار، فسألهم: ما وضع القضاء والتعليم؟ فقالوا له: ما زال القضاء والتعليم بخير فقال لهم: إذا البلد بخير فلا تخافوا.

***

المؤسف في لبنان اليوم، وبعد 75 سنة على هذه المقولة، ان في لبنان، لا القضاء بخير ولا التعليم بخير، ويا لها من مصادفة أن يكون القضاء في إضراب والتعليم في إضراب من خلال إضراب أساتذة الجامعة اللبنانية: فأي أفق لأصحاب الدعاوى العالقة قضاياهم في المحاكم؟

***

مطلع هذا الأسبوع جرت محاولة لتعليق الإعتكاف لكنها سقطت: بلغ عدد القضاة المؤيدين لاستمرار الاعتكاف 142 قاضيا، مقابل 87 قاضيا صوتوا مع تعليق الاعتكاف والعودة الى العمل.

مع استثناء الموقوفين والحالات الضرورية والأمور الملحة التي يخشى أن تحدث ضرراً للمواطنين لا يمكن تداركه.

صحيح ان مطلب اللبنانيين الاساسي هو استقلالية القضاء لكن هل يتم هذا الامر بمجرد الحفاظ على المكتسبات من دون المس بها بسبب وضع البلد؟ هل تتم معالجة الامور بالإعتكاف؟ ماذا لو لم تلبِّ السلطة هذه المطالب، فهل يبقى الاعتكاف الى حين بلوغ العطلة القضائية؟ ما هو مصير مئات الدعاوى الموضوعة على الرف بسبب الاعتكاف؟ كيف ستكون النتائج على مواعيد الجلسات والقضايا في الاشهر المقبلة؟ وما هي أوضاع آلاف الموقوفين والمساجين والمتقاضين وحتى الذين يفترض الافراج عنهم خلال هذه الفترة؟ هل التعطيل هو السبيل الوحيد للقضاة للمحافظة على مكتسباتهم؟ ماذا عن حقوق الناس من القضاء في هذه الاحوال؟

***

يؤسفنا القول: القضاء ليس بخير والبلد كذلك.