ضجّت وسائل الاعلام منذ فترة بخبر اندفاع ​اليابان​ الى التبرع للوساطة بين ​ايران​ و​الولايات المتحدة​، وتخفيف التوتر السائد بينهما والذي انعكس على العالم بشكل عام، والمنطقة بشكل خاص. واذا كان صحيحاً ان الانعكاس على العالم بسبب هذا الخلاف اخفّ بكثير من انعكاسه على منطقة الشرق الاوسط، فإنه صحيح ايضاً ان اليابان مهتمة كثيراً بمسألة اعادة ايران الى وضعها السابق قبل وصول الرئيس الاميركي ​دونالد ترامب​ الى السلطة وانسحابه من ​الاتفاق النووي​ الشهير.

اما سبب اهتمام اليابان بهذا الموضوع رغم كونها بعيدة عن مشاكل الشرق الاوسط وتعقيداته، فيعود اولاً الى الحاجة الكبيرة لها للنفط الايراني وهي التي كانت الاكثر اهتماماً به منذ زمن بعيد، واضطرت مرغمة الى تخفيف هذا الاهتمام والاستثمار فيه بعد فرض واشنطن عقوبات مالية واقتصادية على ايران. ويكفي اجراء بحث سريع على العلاقات بين اليابان وايران لمعرفة ان العلاقة "النفطية" كانت تبقي التواصل شبه دائم بين المسؤولين في البلدين وكانت اللقاءات بينهم دورية ان في الامم المتحدة او خارجها.

اليوم تدخل اليابان معترك الوساطة الاصعب بين البلد النفطي الذي تحتاج اليه، والبلد السياسي والدبلوماسي الذي تحتمي بجناحه من العملاق الصيني، لذلك كان من المنطقي ان تطرح نفسها كبلد وسطي يطمح الى تحقيق اكبر قدر ممكن من التوافق نظراً الى انعكاسه الايجابي عليه بشكل خاص. ولم تكتف طوكيو بفترة "السماح" التي اعطتها اياها واشنطن لاستيراد كميات النفط من ايران، بل ترغب في تمديد اضافي طمعاً بالمزيد من هذا النفط الذي قد لا يكون بمقدور الدول الخليجية تأمينه كبديل عن ايران.

ولا يمكن لاحد ان يعتقد ان وصول رئيس الوزراء الياباني ​شينزو ابي​ الى ايران اتى وليدة قرار سريع او عفوي، بل سبقته بالتأكيد مفاوضات ومشاروات وموافقة من واشنطن وطهران، وهو ما يجسّد فترة تخفيف التوتر التي سادت في الآونة الاخيرة، بحيث غابت الحدية عن تصريحات المسؤولين في البلدين "المتخاصمين" وتم التركيز على اهمية المفاوضات، حتى ان ترامب ابدى الاستعداد اكثر من مرة للتوصل لاي اتفاق جديد مع ايران، وقد ايّده في ذلك الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في تعبير عن رغبة اوروبية في التخلص من عبء ازمة الاتفاق النووي الذي خلقته اميركا واحرج الاوروبيين. ولعل اللغة التي سادت خلال زيارة آبي الى طهران، تشير الى عدم ممانعة ايران من الوصول الى نقاط مشتركة لاعادة وصل ما انقطع من خطوط مع واشنطن، انما يبقى الاهم تحديد معايير تبقي صورة كل من الطرفين محفوظة لدى الرأي العام العالمي ولدى مواطني البلدين. واذا كانت هذه المقاربة تختلف بشكل جذري عن تلك التي خاضتها الولايات المتحدة مع كوريا الشمالية لاعتبارات عديدة، فإن المؤكد ان العقوبات الاميركية اثّرت على ايران، رغم كل النفي المرافق لها، وما قرارها بزيادة تخصيب اليورانيوم وتحذير المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية من هذا الامر للمرة الاولى منذ ابرام الاتفاق النووي، سوى محاولة ضغط جديدة على الاوروبيين وربما على اليابان ايضاً، من اجل العمل بوتيرة اسرع واكبر لانهاء هذه الازمة التي طالت وبدأت تهدد بتداعيات كثيرة.

واذا كانت ايران قد استعجلت لدفع الجميع الى التحرك، فقد لاقاها الاوروبيون واليابانيون في منتصف الطريق، ولا شك ان ضغطهم على ادارة ترامب للوصول الى ارضية مشتركة قد اعطت مفعولها في هذا السياق، مع التأكد من انعدام ايّ توجه لدى كل الاطراف للجوء الى الخيار العسكري، تحت أيّ ظرف ومهما كانت العقبات. ورغم كل ذلك، فإن القول بنجاح الوساطة اليابانية بهذه السرعة هو امر متهور بعض الشيء، ويمكن استبدال ذلك بالبناء على الرغبة السريعة التي اظهرها الجميع للبدء بمفاوضات جدّية وبنّاءة لمحاولة ردم الهوّة التي اتّسعت بين ايران واميركا.