يَقول المُفكِّر وعالم الفيزياء أَلبرت أَينشتاين: "إِنَّ التَّعليم ليس تَعلُّم الحَقائق، وإِنَّما هو تَدْريب العَقْل على التَّفْكير"، يَعني إِبقاء المُتعلِّم في حالٍ مِن التَّفكُّر المُستَمِرّ. وأَمَّا عِنْدنا في ​لبنان​، فها نحن في العام 2019، ولم نَلْحظ في استراتيجيَّاتِنا التَّرْبويَّة بَعْد، برامِج تُتيح تَأْمين هذه الحاجة التَّرْبويَّة لأَبْنائِنا، بِهدَف إِبْقائهم في حالٍ من التَّفكُّر المُتواصل!. ومِن هُنا سعَيْنا في جَمعيَّة "جائِزة الأَكاديميَّة العربيَّة" إِلى الإِفساح في المَجال أَمام المُتعلِّمين، ليَعيشوا هذه التَّجْربة الجَديدة بالنِّسْبة إِلَيْهم، غَيْر أَنَّ مَسْعانا هذا، يجب أَنْ يكون مُمارسةً تَرْبويَّةً يَوْميَّةً، لا أَنْ يَقْتصر فقط على "المَواسم" القائِمة على المُباريات السَّنويَّة في جمعيَّةٍ تَرْبويَّةٍ اجْتِماعيَّةٍ لا تَبْغي سِوى إِقامة المُباريات اللُّغويَّة والفنيَّة في شكلٍ سنويٍّ.

وحتَّى السَّاعة، تَجد الحُكومة اللُّبْنانيَّة حالَها مُنْغَمسة في مُسْتنقعِ الأَزمات السِّياسيَّة والاقْتِصاديَّة والاجْتِماعيَّة، وهي بالتَّالي عاجِزَةٌ عن تَحْديد بوصْلةٍ واضحةٍ، تضع التَّرْبيةَ في مسارها الصَّحيح... ويُضاف إلى ذلك غِياب الرُّؤى في وزارة التَّرْبية، فيما الإِصْلاح يَجب أَنْ يَنْطلق فعليًّا من مكانٍ ما، وقد تَكون "المَنْظومة التَّربويَّة" أُوْلى المَسائل الَّتي تَحْتاج إِلى مُعالجةٍ تمسُّ مِن جوهرها...

وأَمَّا تَعْليمنا اليوم، فهو يَحْتاج بشدَّةٍ إِلى إِصْلاحٍ عَميقٍ وجَوْهريٍّ، يُطاول مَضامينَه ومُحْتواه، ويخلق مجالًا للأَطْفال للتَّفْكير والخَلْق والإِبْداع، عوض إِبقائِهم في مَنْظومةٍ أَثْبتت فَشلها... فيما مُتعلِّم اليَوْم فاقِدٌ لكلِّ قُدْرةٍ على الخَلْق والتَّفكير خارج مربَّعٍ ضيِّقٍ تَرْسم حُدوده العائِلة والمُعلِّمون وضَوابط المُجْتمع.

كما ونَحْتاج في لبنان أَيْضًا، إِلى إِدْراج مواد على غايةٍ مِن الأَهميَّة، في خَلْق وعي مُجْتمعيٍّ لدى النَّاشئة، يُمكِّنُهم مِن الاضْطِلاع ببناءِ دَوْلةٍ ديمُقراطيَّةٍ حقيقيَّةٍ... فيا حَضْرة القيِّمين على التَّرْبية عِنْدنا، شَمِّروا عن سَواعدكم، وابْدَؤوا وَرْشة إِصْلاح مُحْتوى المَواد التّعلُّميِّة كما وإِعادة النَّظر في سُبل التَّدْريس وطَريقة إِيْصال المَعْلومات... وصولاً إِلى بناء جيلٍ يُؤْمن بحقِّ الاخْتِلاف، ويَحْترم الآخر، و"يتبنى قيَم الحُقوق والحريَّات الكَوْنيَّة".

وإِنَّنا في لبنان -كما وَفي غالبيَّة الدُّوَل العربيَّة- نَحْتاجُ إِلى اهتمامٍ مُتجدِّدٍ بمَفْهوم المُواطِنة، ودورِه في صلب الخِطاب السِّياسيِّ، وتَحْديدًا في مَجال المَعايير الاجْتِماعيَّة والقانونيَّة... أَفَلسْنا في حاجةٍ إِلى الأَخْذ بتَوْصيات مَشْروع "كارنيغي للسَّلام الدَّوليِّ" ومقرَّراتِه؟ وما هو هذا المَشْروع؟ وما هي مُرْتَكزاته وأَفْكاره؟

"كارنيغي" للسَّلام الدَّوْليّ

في 12 حزيران 2013، عقدت "مؤَسَّسة كارنيغي للسَّلام الدَّوْليّ"، وبالتَّعاون مع "الصُّنْدوق العربيِّ للتَّنْمية الاجتماعيَّة والاقتصاديَّة، مُؤْتمرًا إِقْليميًّا في مدينة ​الكويت​، للنَّظر في دور "التَّرْبية المواطنيَّة" في التَّحوُّلات العربيَّة".

ويُمثِّل "مُؤْتمر الكُويت في شأْن تَعْليم مُواطني الغَد" جزءًا مِن مشروعٍ طَويل الأَجَل في مَجالِ التَّرْبية المُواطنيَّة في ​العالم​ العربيِّ، أَطْلقه "مركز كارنيغي للشَّرق الأَوْسط" في حزيران 2011. ويُشكِّل هذا المَشْروع مبادرةً تَرْمي إِلى "زِيادة التَّفاهم وتَعْزيز الحُلول الخاصَّة بالتَّحدِّيات الَّتي تُواجه العالم العربيِّ، في مَجالات إِصْلاح التَّعليم والتَّرْبية المُواطنيَّة".

كما ويَسْعى المَشْروع الَّذي يُركِّز على البَحْث والتَّحْليل والتَّوْعية إِلى "إِثارة النِّقاش والبَحْث في الخُطوات المَطْلوبة لتَعْزيز التَّرْبية المُواطنيَّة في العالَم العربيِّ، بهدف التَّأْثير في التَّربية في مَجال التَّعليم والتَّعلُّم ابْتِداءً من رياض الأَطْفال وحتَّى الصَّف الثَّاني عَشر".

وإِذا كُنَّا بَدَأْنا المَقالة بأَيْنشتاين، فإِنَّنا نَخْتمُها بابن خلدون القائل في سياقِ حديثِه عن "البرامج التَّعْليميَّة ومَهارات المُتعلِّم": "فتجد طالبَ العِلْم مِنْهم، بعد ذهاب الكَثير من أَعْمارهم في مُلازمة المَجالس العلميَّة سكوتًا لا يَنْطقون، وعنايتهم بالحِفْظ أَكْثر من الحاجة" (إبن خلدون، المقدِّمة، دار الجيل، ​بيروت​، ص 478 / 479). لقد بُتْنا شتَّان ما بين الصَّمْت المُتسبِّب به عجزٌ تَحْليليٌّ، وعقولٍ صغيرةٍ وعطشى... نحرمها في التَّرْبية من مناهِل التَّعلُّم الأَنْفع، وللحَديث صِلَة!.