قد لا يكون مفاجئاً أن تشتعل "الجبهة" من جديد على خط رئيس ​الحكومة​ ​سعد الحريري​ ورئيس "​الحزب التقدمي الاشتراكي​" ​وليد جنبلاط​، اللذين فرّقت بينهما "التسوية الرئاسية"، وحوّلت تحالفهما الذي وُصِف يوماً بالثابت إلى خصومةٍ كاملةٍ، وإن أثيرت علامات استفهام حول الاشتباك الأخير بينهما، لناحية التوقيت والمضمون.

وقد لا يكون مفاجئاً أيضاً أن تهدأ "الجبهة" سريعاً أيضاً، على وقع وساطةٍ قيل إنّ رئيس مجلس النواب ​نبيه بري​ قام بها على عجل، ليتكرّر بذلك السيناريو نفسه الذي اعتُمِد في كلّ "حفلات الجنون" التي دارت بين الحريري وجنبلاط في الآونة الأخيرة، فينتهي "التصعيد" إلى "تبريد"، لن يصمد طويلاً، قبل أن ينفجر مجدّداً، ولو افتراضياً.

بيد أنّ أكثر ما بدا مفاجئاً وسط كلّ المعمعة التي حصلت بين "المستقبل" و"الاشتراكي"، تمثل باستعانة "المستقبل" عبر أمينه العام ​أحمد الحريري​ بأحد خصومه المفترضين الأساسيين، الوزير السابق ​وئام وهاب​، الذي كاد الاشتباك معه يوصل البلاد إلى ما لا تُحمد عقباه قبل أشهر، فقط للتصويب على جنبلاط، أو ربما "استفزازه"...

"الحق عَ مين"؟!

معبّرة كانت الصورة التي أرفقها النائب السابق وليد جنبلاط بتغريدته الفاصلة التي طلب فيها من "الرفاق" عدم الوقوع في فخّ السجالات مع "المستقبل"، والتي جاءت عبارة عن "منشر غسيل"، وكأنّ الرجل يقرّ ويعترف بأنّ "نشر الغسيل" قد يكون النتيجة الوحيدة التي حقّقها الاشتباك بين قياديي حزبه ورئيس الحكومة وبعض المقرّبين منه على وسائل التواصل.

ومع أنّها ليست المرّة الأولى التي يحتدم فيها الخلاف بين الجانبين، أقله في الفضاء الافتراضي الواسع، فإنّ أحداً لم يرصد وجود سببٍ مباشرٍ لكلّ ما حصل، على غرار الاشتباك الأخير الذي وقع قبل ثلاثة أسابيع مثلاً، والذي كان له ما يبرّره، على خلفية ما قيل إنّه نقض المداورة على رئاسة بلدية شحيم التي تم الاتفاق عليها مسبقاً بينهما، إلا إذا كان ما حصل نسخة متجدّدة من الملف نفسه، بعد التطورات التي شهدها.

وإذا كان الجانبان نجحا في "احتواء" الإشكال إلى حدّ ما، نسبة إلى "الهدنة" التي خلصت إليها النقاشات بينهما، واللقاء الذي جمع مساءً الوزير السابق ​غطاس خوري​ عن "المستقبل" ووزير الصناعة ​وائل أبو فاعور​ عن "الاشتراكي"، فإنّهما لم يتّفقا على "تشخيص" أسباب ما حصل، إذ تقاذفا كرة المسؤولية، مع اتهام كلّ فريقٍ الآخر بـ"الحرتقة"، في التوقيت غير المناسب، أو ربما ربطاً باستحقاقاتٍ مقبلةٍ، سبقها "الحكم على النوايا" على ما يبدو، بين الطرفين.

وإذا كان رئيس الحكومة استُفِزّ من تصريحٍ للوزير أبو فاعور قال فيه إنّ العلاقة مع "المستقبل" ليست على ما يُرام، عطفاً على مقال صحافي تحدّث عن "تدهور العلاقة"، وقيل إنّ مصدره قد يكون "البيك" شخصياً، وليس أيّ أحدٍ آخر، فإنّ "الاشتراكي" يرى أنّ ردّة الفعل أتى مبالَغاً بها، خصوصاً أنّ نيّة أبو فاعور من تصريحه كانت صافية جداً، وهو حرص على الحديث عن تاريخ العلاقة بين الحزبيْن، وضرورة عودتها إلى سياقها الطبيعي، في حين أنّ ردّ الحريري هو الذي "ضخّم" الأمور، وأوصلها إلى الدرك الذي وصلت إليه.

لماذا إقحام وهّاب؟!

عموماً، يمكن القول إنّ السجال بين "المستقبل" و"الاشتراكي" لم يحمل أيّ مفاجآت تُذكَر، بعدما بات يتكرّر بين الفينة والأخرى، وإن استغرب كثيرون النبرة التي اعتمدها الحريري في الحديث مع حليفه السابق، وربما المستقبليّ، وصولاً إلى حدّ اعتبار حديثه عن الوفاء "نكتة اليوم"، وهي لهجة يلومه كثيرون، وفي مقدّمهم جنبلاط، على أنّه لا يستخدمها في المكان الصحيح، وتحديداً إزاء من "يتعدّى" على صلاحياته، علماً أنّ المؤتمر الصحافي الأخير للحريري والذي تضمّن انتقاداً مبطناً لوزير الخارجية ​جبران باسيل​، لم يقترب قيد أنملة من هذه النبرة.

إلا أنّ المفاجأة الحقيقية كانت بإقحام رئيس حزب "التوحيد العربي" الوزير السابق وئام وهاب على خط السجال، هو الذي كان كثيرون يعتقدون أنّ الخلاف معه يشكّل "نقطة تقاطع" بين الحريري وجنبلاط، باعتبار أنّ جولات اشتباك متعدّدة دارت بينهما، كان آخرها ما حصل قبل أشهر على خلفية التسريب المصوّر الذي انتشر لوهاب، ودفع بـ"المستقبل" إلى الادّعاء عليه، وصولاً إلى المعركة التي حصلت عند دهم القوى الأمنية لبلدته ومحاولة توقيفه، والتي حصلت بتوجيهٍ مباشرٍ من الحريري، ودعم يرتقي إلى مصاف الرعاية لجنبلاط، الذي يُقال إنّه دفع ثمن موقفه داخل بيئته، خصوصاً بعد سقوط قتيل نتيجة المواجهة غير المحسوبة.

وفي حين فسّر كثيرون رفض الحريري لمحاولات "رمي الزيت على النار"، على أنّه غمزٌ من قناة دخول وهاب على الخط، ساخراً وشامتاً، فإنّ أحداً، خصوصاً في صفّ "الاشتراكي"، لم يفهم سبب تبنّي أحمد الحريري لتغريدة وهاب، عبر إعادة نشرها، وإرفاقها بوجوهٍ ضاحكة، علماً أنّها حملت بين طيّاتها "إساءة" لرئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري بقدر "الإساءة" إلى جنبلاط، عبر الإيحاء وكأنّ الأول كان "يشتري" صمت الثاني، أو رضاه، بالمال، وهو ما لم يعد متوفّراً اليوم، نتيجة الأزمة المالية التي يمرّ بها "المستقبل".

لكن، حتى بعيداً عن هذا التفسير، الذي قد يقول البعض إنّه ليس دقيقاً، ثمّة داخل "الاشتراكي" من يسأل أصلاً عن مغزى استعانة "المستقبل" بوهاب بهذا الشكل، وبعد أقلّ من 24 ساعة على حديثه عن "عرضٍ" كان قد تلقّاه عبر الوزير السابق نهاد المشنوق للانتقال إلى صفّ الدفاع عن السعودية، وهو ما نفاه المشنوق بطبيعة الحال. ويذهب هؤلاء في التفسير إلى اعتبار الأمر مجرد محاولة لاستفزاز "البيك"، وربما إخراجه عن طوره، نظراً لـ "حساسيته المفرطة" من وهاب، لكنّه في كلّ الأحوال، لم يكن موفّقاً لا بالشكل ولا بالمضمون، علماً أنّ جنبلاط مثلاً لم يقف يوماً بجانب خصوم الحريري السنّة في معاركهم معه، حتى أنّه ساند الحريري في موقفه الرافض لتوزيرهم مثلاً، ولا يفترض مكافأته على ذلك بهذا الشكل.

في أسوأ أحوالها...

ثمّة من يعيد كلّ الاشتباك الذي حصل "افتراضياً" بين "المستقبل" و"الاشتراكي"، قبل لململته واحتوائه بصورة غير واقعية، إلى كلام الوزير وائل أبو فاعور الذي أقرّ فيه بأنّ العلاقة بين الجانبين "ليست على ما يُرام".

بيد أنّ مسار الاشتباك لم يثبت صحّة كلام أبو فاعور فحسب، بل أوحى وكأنّه جاء "شديد اللطافة"، إلى حدّ تحريف الواقع، الذي لم يعد يخفى على أحد، وقوامه أنّ العلاقة في أسوأ أحوالها، وربما أكثر من ذلك بكثير.

وبانتظار جولات "اشتباكٍ" جديدة قد تجمع الطرفين، في ضوء الاستحقاقات المنتظرة التي يبدو أنّها ستفرّقهما أكثر، نظراً لتمسّك الحريري بـ"التسوية" التي يغتاظ منها جنبلاط، يبقى على الرجلين "أخذ العِبَر" ممّا حصل، حتى لا تكثر "الخطايا" التي يرتكبانها عند كلّ "إشكال"...