الحكومة​ ليست بخير. قد تكون هذه الخلاصة الأبرز التي يمكن استنتاجها من مجريات أحداث الساعات الماضية، والتي أفرزت تأجيلاً لجلسة مجلس الوزراء التي كانت مقرّرة في السراي الحكومي، برّره رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ بأجواء الاحتقان التي ولّدها إشكال الجبل الأخير، بين "الشركاء المفترضين" في الحكومة.

لكنّ تبرير الحريري، الذي حاول الظهور بمظهر صاحب القرار الأول والأخير، لم يبدُ مقنِعاً، خصوصاً أنّ التأجيل لم يأتِ سوى بعد أكثر من ساعتين من موعد الجلسة قضاهما وهو يعقد اجتماعاتٍ تشاوريّة هامشية، بانتظار حضور وزراء تكتل "لبنان القوي" الذين كانوا يعقدون، للمفارقة، اجتماعاً في وزارة الخارجية، في التوقيت نفسه.

وفيما طُرِحت علامات استفهام حول مغزى هذه الخطوة، وما حملته من رسائل إلى الحريري وغيره داخل مجلس الوزراء، باعتبار أنّها شكّلت الترجمة العمليّة الأولى من نوعها لمفهوم "الثلث المعطل"، ثمّة من رأى أنّ ما حصل أنقذ الحكومة فعلياً من السقوط الحتميّ، الذي كانت كلّ مقومّاته متوافرة، لو عقدت الجلسة في وقتها...

ماذا لو عقدت الجلسة؟

لأسبابٍ واعتباراتٍ كثيرة، كانت كلّ الأنظار محدقة نحو جلسة مجلس الوزراء التي كان يفترض أن تعقد الثلاثاء في السراي الحكومي، أولاً لأنّها كانت لتشكّل "الظهور الأول" لوزير الخارجية ​جبران باسيل​، الذي التزم الصمت منذ قطعه زيارته إلى منطقة عاليه يوم الأحد، بعد الإشكال الدمويّ الذي حصل مع موكب وزير الدولة لشؤون النازحين ​صالح الغريب​، وأدّى إلى مقتل اثنين من مرافقيه، وإصابة آخرين.

وكانت كلّ الأنظار محدقة نحو الجلسة أيضاً، لكونها، لو عُقِدت، كانت ستشكّل مسرح "المواجهة" العملية الأولى بعد أحداث الجبل، بين الفريقين اللذين أفرزتهما، ولا سيما بين الوزير الغريب من جهة، ووزيري "الحزب التقدمي الاشتراكي" ​أكرم شهيب​ و​وائل أبو فاعور​، وخصوصاً شهيب، في ضوء الاتهامات التي سيقت ضدّه في لعب دورٍ جوهريّ في إشعال فتيل الأحداث، وصولاً إلى حدّ وصفه بـ"نائب الفتنة" من قبل رئيس "الحزب الديمقراطي اللبناني" ​طلال أرسلان​.

لكن، بعيداً عن كلّ "الاستحقاقات" التي كانت منتظرة عملياً من جلسة مجلس الوزراء، ثمّة سؤال طرحه كثيرون خلال الساعات الماضية، فماذا كان ليحصل لو عقدت الجلسة فعلياً؟ في هذا السياق، ثمّة سيناريوهات كثيرة متداولة، قد يكون أقلّها خطورة أن تفاقم من الاحتقان، وتسهم في المزيد من التفجير، في ظلّ الفرز العموديّ الحاصل، وفي ضوء غياب الحدّ الأدنى من التوافق على مقاربةٍ واحدةٍ للمعالجة، خصوصاً أنّ الدم لم يوحّد اللبنانيين هذه المرة، حتى أنّ هناك من سجّل عدم قيام "التقدمي الاشتراكي" بتقديم العزاء بضحيتي الجبل، مقابل استنكاره التوقيفات ووصفها بـ"الهمجية".

ولعلّ الخلاف الذي نشب حول طلب إحالة أحداث الجبل إلى المجلس العدليّ، والذي أفرز معسكرين متناقضين أيضاً داخل مجلس الوزراء، كان من الأسباب الموجبة لعدم عقد الجلسة، خصوصاً أنّ كلّ المؤشرات كانت تدلّ على أنّ النقاش بهذه النقطة لن يكون صحياً داخل الجلسة، باعتبار أنّ معالجة الترسّبات لم تتمّ بعد، علماً أنّ "الوساطة" التي بدأها المدير العام للأمن العام ​اللواء عباس إبراهيم​، بدعمٍ مباشر من رئيسي الجمهورية والحكومة، تصبّ في تهيئة الأجواء المناسبة لتعزيز مناخ التهدئة، أياً كان الثمن.

رسائل سياسية

من هنا، قد يقرأ كثيرون في خيار عدم عقد جلسة مجلس الوزراء في السراي في التوقيت الذي كان مرسوماً لها، "حكمة" أنقذت الحكومة بالكامل من انهيار محتّم، بل ربما سقوط وشيك، كان يمكن أن يؤدي إليه أيّ تشنّج في الأجواء، ولو أنّ الحكومة هي المرجع الصالح افتراضياً لحلّ الإشكاليات، والهروب من المسؤولية ليس الحلّ.

ولكن، على رغم وجود مثل هذه القراءة، فإنّ الخطوة التي أتت بدفعٍ من تكتل "لبنان القوي"، ولو حاول رئيس الحكومة نسبها لنفسه، رسمت علامات استفهام بالجملة حول الرسائل السياسية التي أراد التكتل برئاسة الوزير جبران باسيل، إيصالها، وهو ما تجلى من خلال استحضار الثلث المعطّل بشكلٍ لا يقبل الالتباس.

وفي هذا السياق، سأل كثيرون عمّا أراد الوزير باسيل قوله بعقده جلسة "موازية" لجلسة الحكومة لأعضاء تكتّله، في الوقت نفسه لموعد الجلسة، وهو ما بدا أشبه باجتماع "ظِلّ" إن جاز التعبير، في وقتٍ كان يمكن أن يتمّ تنسيق الموقف قبل موعد الجلسة مثلاً، أو في اليوم السابق لها، تفادياً للإحراج الذي حصل، والذي يبدو أنّه كان مقصوداً، علماً أنّ وزير السياحة ​أفيديس كيدانيان​ مثلاً كان قد وصل إلى السراي الحكومي، حين تلقى اتصالاً انتقل بموجبه إلى وزارة الخارجية.

وإذا كان رئيس الحكومة حاول حفظ "ماء الوجه" من خلال إعلانه أنّه من ارتأى تأجيل الجلسة، التي اكتمل نصابها، فإنّ هذا "المَخرَج" لم يبدُ مقنعاً لأحد، خصوصاً بعد الانتظار الطويل الذي شهده الصحافيون في قلب السراي، الذي كانت دوائره تنفي تبلّغها أيّ قرار من "لبنان القوي" بالمقاطعة، أو حتى بالتأخير، علماً أنّ الحريري كان قادراً على الإعلان عن تأجيل الجلسة قبل موعدها، لو كان هذا خياره، كما فعل مراراً وتكراراً في السابق، لا بعد أكثر من ساعتين، كان يفترض أن تنتهي الجلسة خلالهما لو عُقدت.

وانطلاقاً من ذلك، لا شكّ أنّ الحريري "استاء" ممّا حصل، وإن كان مقرّبون منه فهموا المغزى منه باعتباره رسالة موجّهة إليه وإلى الوزراء بالدرجة الأولى، تفيد بأنّ مصير الحكومة يبقى مرهوناً بيد باسيل، الذي يمكنه إسقاطها في أيّ وقت، تماماً كما حصل في العام 2011، حين أسقِطت حكومة الحريري بالضربة القاضية أثناء زيارته إلى الولايات المتحدة. وبالتالي، حتى لو أنّ الخطوة جاءت بشكلها، تعطيلاً لفخٍّ ما كان يُنصَب للحكومة، وتضامناً مع الوزير الغريب، إلا أنّها بمضمونها حملت رسائل سياسيّة، استقوائية في مكانٍ ما، يجدر التوقف عندها وقراءتها بتمعّن.

نجت... ربما!

نجت الحكومة من السقوط الحتميّ، بتأجيل جلستها، ربما. لكنّها بالتأكيد، لن تنجو من "المأزق" الذي تضع نفسها فيه، وهي التي تجمع الأضداد، ما يحوّلها إلى حلبة ملاكمة عند كلّ استحقاق، أو امتحان.

نجت الحكومة من السقوط، بتأجيل اجتماعها بسبب أجواء الاحتقان، في وقتٍ يفترض أن تدفع مثل هذه الأجواء أيّ حكومة إلى عقد اجتماعٍ استثنائيّ، في أيّ بلدٍ آخر، يتوافر فيه الحدّ الأدنى من المعايير "الصحية" للحكم.

نجت الحكومة من السقوط، ربما بالمعنى الحرفي، لكنّها سقطت عملياً في الفخّ الذي نصبته لنفسها، يوم أصرّ المعنيّون به على أن تكون حكومة وفاق وطني، فإذا بذلك يعني في قاموسهم، "الهروب" كلما اشتدّ الخلاف وتفاقم...