لفت بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك ​يوسف العبسي​، أنّ "​الإنجيل​ يخبرنا أنّ الرب ​يسوع المسيح​، لما ابتدأ رسالته العلنيّة، اتّخذ لنفسه مسكنًا أو موطئ قدم في مدينة كفرناحوم الّتي على شاطئ ​بحيرة طبريا​. ويخبرنا الإنجيل أيضًا أنّ يسوع غالبًا ما كان يتمشّى على شاطئ تلك البحيرة كغيره من أبناء المدينة والمدن الأخرى الّتي كانت على ساحلها. ولا شكّ أنّه كان يخالط الناس هناك، يجلس معهم ويجاذبهم أطراف الحديث ويتأملهم يذهبون إلى البحيرة ويأتون منها، يصلحون شباكهم للصيد أو يفرغونها من السمك".

وأوضح خلال ترؤسه قداس البحر الّذي تحييه رعية مار أسطفان- ​البترون​، سنويًّا على نيّة البحارة وصيادي الإسفنج الّذين قضوا في البحر، وذلك في حرم ميناء البترون المجاور لكنيسة مار أسطفان الأثرية، أنّ "يسوع كان يعرف عاداتهم وأحوال معيشتهم وأطباعهم وأخلاقهم وأنماط تفكيرهم. وفي ذات يوم، لما عزم على الانطلاق للتبشير وإعلان رسالة الخلاص التي تجسد من أجلها، وإذ كان في حاجة إلى معاونين، لم ير خيرا من أولئك الصيادين ليختار من بينهم معاونيه الأوائل والأساسيين، الذين سماهم الإنجيل رسلا وتلاميذ، لأنه رأى فيهم الناس المؤهلين القادرين على اتباعه وحمل رسالته والشهادة على إنجيله، بسبب نمط حياتهم الذي عرفه معرفة قوية والذي يشبه إلى حد بعيد نمط الحياة الرسولية التي كان يفكر فيها والتي كان سيدعو إليها من يختارهم من بين أولئك الصيادين. لم يختر بالتالي لا ​المزارعين​ ولا الصناعيين ولا الحرفيين ولا التجار ولا الموظفين. اختار صيادين ليكونوا معاونين له ومن ثم شهودا له: ستكونون لي شهودا في أورشليم وإلى أقاصي الأرض".

وركّز العبسي على أنّ "الشبه الذي بين حياة الصيادين وحياة الرسل وحياتنا نحن المسيحيين عموما، هو ما في هذه الحياة من وساعة، من رحابة. الحياة الرسولية واسعة وسع البحر. ولما كان الرسل معتادين على وساعة البحر كان في إمكانهم أن ينطلقوا إلى الرسالة ​المسيحية​ الواسعة".

وأكّد أنّ "الرب يسوع لا يتركنا أبدا، بل يده ممدودة إلينا على الدوام. نلمس ذلك في ما حصل للرسل يوم كانوا في البحر وهبت عليهم ريح كادت أن تغرِق سفينتهم وإذا بيسوع ينقذهم. وذات مرة قضوا الليل كله في البحر وتعبوا ولم يحصلوا على شيء وإذا بيسوع يلاقيهم ويأمرهم بأن يلقوا شباكهم من جديد فأصابوا من السمك كمية كبيرة كادت أن تمزق تلك الشباك. هذا النمط من الحياة الذي مثاله نمط حياة الصيادين والذي اقتبسه الرب يسوع من حياتهم والذي طلب من الرسل أن يعيشوه ويطلب منا نحن أيضا أن نعيشه كل يوم، نستطيع أن نسميه نمط الحياة يوما بيوم. لا تهتموا للغد فالغد له همومه. يكفي كل يوم همه".

وذكر أنّ "الحياة يوما بيوم التي لمسها يسوع وعاشها مع الصيادين ومع رسله قد تكون هي التي جعلته يقول هذا الكلام، وجعلته يقول أيضا في الصلاة الربية، صلاة الأبانا، التي علمنا إياها: أعطنا خبزنا كفاف يومنا"، مبيّنًا "أنّني أعتقد أن الرب يسوع عندما تلفظ بهذه العبارة كان يفكر بالصيادين أصدقائه الذين كانوا يعيشون يومهم بيومهم". وشدّد على أنّ "شرفًا كبيرًا لكل صياد أن يكون يسوع عاش أجواء حياتهم واختبرها وتأثر بها قبل أن ينطلق للبشارة بحيث إن الحياة الرسولية والمسيحية التي دعا إليها فيها شبه من حياتهم. الصيادون هم الأقرب إلى يسوع لأنهم أكثر من يستطيع أن يفهمه ويستجيب لندائه ويلبي دعوته. وعندهم الكثير نتعلمه منهم لحياتنا المسيحية.الصيادون ثروة وطنية كبيرة تستوجب العناية بهم وتشجيعهم وإنعاش مهنتهم وتوفير وسائل العيش الكريم لهم. ​لبنان​ طوله كله بحر. ومن قديم الزمان بحر لبنان طريقه إلى الثروة ذهابا وإيابا. وللصيادين والبحارة في هذا باع طويلة وفضل كبير. إنهم مرتبطون ارتباطا وثيقا ب​تاريخ لبنان​ وحضارته وبتجارته وصناعته وزراعته".