منذ أشهر طويلة، يرفع ​لبنان​ الصوت عالياً بسبب تصرفات بعض الجمعيات التي تعنى بشؤون ​النازحين السوريين​، لكن اللافت كان، في الأيام السابقة، هو ما صدر عن مدير برنامج حقوق اللاجئين في منظمة "هيومين رايتس ووتش" بيل فريليك، الذي اعتبر أن "هدم غرف اسمنتية بناها "لاجئون" سوريون في مخيمات عشوائية يشكّل ضغطاً غير شرعي عليهم للعودة إلى بلادهم".

في السياق نفسه، طرح فريليك جملة من الأمور حولها الكثير من علامات الاستفهام، كالحديث عن إعتقالات جماعية وترحيل وإغلاق متاجر ومصادرة أو إتلاف مركبات غير مرخصة، بالإضافة إلى حظر التجول والإخلاء، والحواجز أمام تعليم النازحين وحصولهم على الإقامة القانونيّة وإجازات العمل، الأمر الذي يوحي بأنه بعيد عن حقيقة ما يحصل على أرض الواقع، أو أنه يريد التدخل في أمور سياديّة لبنانية.

قبل أي أمر آخر، ينبغي تذكير مدير برنامج حقوق اللاجئين في منظمة "هيومين رايتس ووتش" بأن النازحين يحظون بالتعليم المجاني في المدارس اللبنانيّة، الذي تتكفل به بعض الجمعيّات المعنيّة بتقديم المساعدات لهم، وبالتالي لا يمكن له الحديث عن حواجز توضع أمامهم بأيّ شكل من الأشكال، خصوصاً أن ​مجلس الوزراء​ سبق له أن قدّم لهم تسهيلات في هذا المجال.

ويمكن الحديث على هذا الصعيد عن الموافقة على طلب ​وزارة التربية والتعليم العالي​ تمكين التلامذة الذين تابعوا دراستهم في ​سوريا​ أو أي دولة أخرى، والتلامذة السوريين وسواهم من سائر الجنسيات، من التقدم إلى الامتحانات الرسميّة للعام 2019، للشهادات التي تصدرها المديريّة العامة للتعليم المهني والتقني، وإن كان متعذّراً عليهم تأمين المستندات المطلوبة أساساً لقبول ترشيحهم إلى هذه الامتحانات.

بالتزامن، تحدث فريليك عن إغلاق متاجر ومصادرة أو إتلاف مركبات غير مرخّصة، الأمر الذي يدفع إلى السؤال عما إذا كان مسموحاً في أي دولة أخرى سير مركبات غير مرخّصة على طرقاتها، مع العلم أن لبنان في الأصل يعاني من هذه المشكلة، وبالتالي لا يمكن له التساهل في معالجة هذه الظاهرة، أما بالنسبة إلى إغلاق المتاجر التي يمتلكها نازحون فالأمر بسيط، لأنه عند هذه الحالة المالك لم يعد نازحًا بل عاملاً عليه الإلتزام بالقوانين المرعيّة الإجراء، وهنا أيضاً يمكن الحديث عن تسهيلات قدّمتها وزارة العمل، كإعفاء السوريين من الحصول على إفادة من السفارة السورية يجب تقديمها ضمن المستندات المطلوبة للحصول على اجازة عمل.

أما بالنسبة إلى الحديث عن إعتقالات جماعيّة وترحيل، هنا يكون على فريليك أن يكشف عن المعلومات التي لديه، خصوصاً أنّ عمليات العودة التي تحصل من قبل بعض النازحين تأتي في إطار الرغبة الطوعيّة التي يختارها هؤلاء بكامل حريّتهم، بالرغم من الضغوط النفسيّة التي تفرض عليهم من بعض الجمعيّات، التي كانت ولا تزال تسعى إلى إبقائهم في لبنان، تنفيذاً لأجندات بعض القوى الدوليّة والإقليميّة، مع العلم أنّ ترحيل من دخلوا لبنان خلسة في الأيام الماضية، يعود إلى قرار صادر عن المجلس الأعلى للدفاع، بتاريخ 24 نيسان 2019، يمنع دخول أيّ سوري البلاد خلسة، ويطالب الأجهزة بإعادة كل من يدخل بهذه الطريقة إلى سوريا.

بالعودة إلى عملية هدم غرف اسمنتيّة بناها نازحون في مخيّمات عشوائيّة، هنا يكون من الضروري تذكير مدير برنامج حقوق اللاجئين في منظمة "هيومين رايتس ووتش" بأنّ لبنان يعاني أصلاً من وجود أزمة اللاجئين الفلسطينيين، التي لا تزال دون معالجة حتى الآن لا بل هناك من يعمل على توطينهم في البلاد، عبر "​صفقة القرن​" على سبيل المثال لا الحصر، وبالتالي لا يمكن له أن يطالب الدولة اللبنانيّة بالسماح لهم بتجاوز القوانين اللبنانيّة في هذا المجال، خصوصاً أنّ الأوضاع الإقتصاديّة في البلاد معروفة، وبالتالي كان من الأفضل له أن يدعو الدول المعنيّة، التي يعرفها جيداً، إلى المساعدة في تأمين العودة الآمنة للنازحين إلى بلادهم، أو أن يطلب منها أن تعمل على إستقبالهم ضمن أراضيها، لا سيّما الدول الخليجيّة التي ترفض عودتهم.

في المحصّلة، كان من الأفضل على فريليك، إنطلاقاً من الوظيفة التي يشغلها، أن يعمل على مساعدة لبنان على معالجة هذه الأزمة، عبر تشجيع النازحين بالعودة إلى بلادهم، على أن تقدم لهم الخدمات هناك، بدل إصدار بيان أقل ما يُقال فيه أنه بعيد كل البعد عن الواقع، إن لم يكن جزءاً من مؤامرة تحاك ضد لبنان والنازحين معاً.