منذ ان علا الرصاص في ​قبرشمون​، وسالت الدماء وساد الخوف والقلق فيها والمناطق المجاورة قبل ان يحسم ​الجيش اللبناني​ الوضع، بقيت الحياة السياسية في لبنان بالغة التعقيد وأعطي ​مجلس الوزراء​ اجازة قسرية في وقت نحن بأمس الحاجة الى عقده اجتماعات متتالية لمواكبة ​الوضع الاقتصادي​ الدقيق الذي حذّر من خطورته المسؤولون في لبنان قبل الخارج.

ووسط المساعي والاتصالات المبذولة لحلحلة الوضع والتي تدخّل فيها رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ ورئيس مجلس النواب ​نبيه بري​ ورئيس الحكومة ​سعد الحريري​ والمدير العام للامن العام الواء ​عباس ابراهيم​ وغيرهم من المسؤولين، بقيت النقطة المحورية التي يدور حولها الجميع: احالة القضية الى ​المجلس العدلي​. هذه النقطة التي قسمت المسؤولين في لبنان، يعوّل عليها النائب ​طلال ارسلان​ مدعوماً من رئيس ​التيار الوطني الحر​ وزير الخارجية ​جبران باسيل​ و"​حزب الله​"، ولكن هل صحيح ان هذا المطلب سيشكّل الحل للقضية؟ في الواقع، يرى الكثيرون ان المسألة هي بمثابة كباش سياسي فقط، وان استقبال المجلس العدلي لهذه القضية لن يكون سوى كسباً معنوياً فقط. يدرك الجميع ان اهميّة المجلس العدلي تكمن في ان احكامه مبرمة وغير قابلة للاستئناف، وبالتالي فإنّ القرار الصادر عنه هو سلاح ذو حدين، لانّ تنفيذه سيرتبط بالقرار السياسي تماماً كما يرتبط امر مراجعته بأي قضية، بقرار سياسي ايضاً.

وامام المجلس العدلي قضايا منذ وقت طويل، لم يتم البت بها بعد، وبالتالي فإن التعويل على صدور حكم عن هذا المجلس في وقت سريع ليس في مكانه، ناهيك عن ان القضية حين تصل اليه ستشكّل مشكلة اضافية تنتقل من ​السياسة​ الى القضاء، قبل ان ينتهي مفعول الازمة ككل بفعل مرور الزمن. ويوحي تسارع الاتصالات والتحركات الحاصل، اضافة الى التصريحات التي قلّت حدتها شيئاً فشيئا، بأنه قد يكون هناك توافق على احالة القضية الى المجلس العدلي، فيكسب ارسلان وباسيل والحزب معنوياً، فيما يكسب رئيس ​الحزب التقدمي الاشتراكي​ ​وليد جنبلاط​ والحريري وبري (ضمناً) و​القوات اللبنانية​ توقف المشكلة عند هذا الحد. ومن الطبيعي ان يترافق مثل هذا الحلّ التوافقي، مع حلّ قضائي آخر يتم العمل عليه انما بسرعة، ويقضي بتسلّم المتهمين من الجانبين، والعمل على اصدار احكام مخففة في انتظار الحكم الذي سيصدره المجلس العدلي في القضية في وقت وساعة لا يعلمهما احد.

وبذلك، يكون لبنان قد تخطى مرة جديدة عقبة غير متوقعة ساهمت في ازدياد همومه ومشاكله العديدة اصلاً، واضافت تعقيداً جديداً الى تعقيدات وضعه السياسي المأزوم، ولا شك ان رغبة الجميع في الوصول الى قاسم مشترك يرضي الجميع، شكّل المفتاح الاساسي لفتح باب الحل الذي كان مغلقاً، عبر الخطوتين الاساسيتين: توافق على تسليم المتهمين، وتوافق على احالة القضية الى المجلس العدلي.

هذا باختصار ما يمكن استخلاصه من التحركات الاخيرة التي شهدها البلد، وبالاخص ​قصر بعبدا​ الذي كان مقصداً لبري وارسلان وموفد الحريري ​غطاس خوري​، مع الاشارة الى ان عدم توجه الحريري شخصياً الى ​القصر الجمهوري​، القى بظلاله على القضية وعلى العلاقة مع عون التي غالباً ما يحرص الرجلان على ابقائها ودّية وطيبة، وقد تجلى ذلك في اكثر من مناسبة.

واذا لم تتغير الظروف والمعطيات في الايام القليلة المقبلة، فإن الخطوتين الضروريتين للحلّ سيتخذان في وقت مقبول، وسيعلنان بالتالي عودة الدوران الى عجلة الحياة السياسية من خلال انعقاد مجلس الوزراء، ومحاولة ترطيب الامور لايجاد قاسم مشترك لتبريد ما حصل في الجبل بين ارسلان وجنبلاط، مع عودة تدريجية للحياة الطبيعة الى لبنان وارتياح في الاسواق الاقتصادية والمالية ولدى القطاع السياحي على ابواب صيف واعد.