لم تعد خافية الخطوات التي تقوم بها دولة ​الإمارات العربية​ المتحدة في الإقليم، وهي تؤسس لمرحلة جديدة في رسم قواعد تعاملها مع العواصم الفاعلة. فالمسألة تتعدى أطر الزيارات المتبادلة مثلاً بين مسؤولين إيرانيين وإماراتيين، أو عقد مسؤولين سوريين إجتماعات مع قيادات عربيّة في الإمارات في هذه الفترة، بل تصل إلى حدّ ترجمة الإماراتيين معادلة أساسيّة هي أن دور دولتهم هو لتقريب المسافات بين عواصم المنطقة للحدّ من الخلافات التي قد تُسقط الإقليم في مساحة الحروب المفتوحة المكلفة إقتصادياً. ويكتسب هذا الدور الإماراتي أهمية، وينال دعماً شعبيا واسعا، لأنّ الناس تعبت من الحروب العسكريّة والسياسيّة والإقتصاديّة. فالتدهور الذي يطال قطاعات المنطقة يكاد يدفع الساحات الى مزيد من الإنفجارات.

بالطبع لا تُخفي الإمارات إنحيازها الى محور يتكوّن منها و​السعودية​ ومصر، صار يحظى بتأييد عربي واسع جداً، بمواجهة حلف ​تركيا​-قطر. أساس تلك المواجهة تقوم على رفض إمتداد "​الإخوان المسلمين​"، خصوصا ان المنطقة تعاني من تداعيات التطرف الإسلامي الذي إستولده فكر "الإخوان" في ​الدول العربية​.

وإذا كانت الإمارات تقوم بسحب تدريجي لبعض قوّاتها العسكريّة من مناطق يمنيّة، بالتزامن مع زيارة مسؤولين إماراتيين ل​طهران​ لتأسيس تقارب تحتاج إليه عواصم الإقليم، فإنّ الإمارات بدت الأكثر إندفاعاً لمنع تركيا من فرض نفوذها في شمال ​سوريا​. مما يعني ان الإمارات تتصرف على اساس السعي لإيجاد إستقرار تحنّ إليه المنطقة. وهي باتت تكسب تأييداً شعبياً واسعاً، ما يساهم في دفع ​أبوظبي​ للعب دور تقوم به بشأن سوريا، ومحاولة فرض حل لليمن، وضبط ساحات المنطقة، من خلال حل الأزمة القائمة بين ​الدول الخليجية​ و​الجمهورية​ الإيرانية.

وللدلالة على اهمية الخطوات الإماراتية، فإن ما يجري في ​مضيق هرمز​ بشأن ​السفن​ التي تجرّها طهران، يؤكّد ان الإقليم لم يعد قادراً على تحمل المراوحة في الحرب المباشرة او السخونة من دون حرب، ولا بدّ من تسويات كبرى تستطيع أبوظبي تسويقها، بدلاً من مبادرات سويسريّة او روسيّة او عُمانيّة.

تبرهن الإمارات عن قدرات قيادييها في لعب ادوار سياسية وإقتصادية، ويتميّز جسمها الدبلوماسي بنشاط بارز، كما حال ​السفير الإماراتي​ في ​لبنان​ ​حمد الشامسي​ الذي إستطاع ان يكسب ودّ اللبنانيين، ويتحرك في المناطق بكل إتجاه. هو إفتتح مراكز تنموية وإطّلع على إهتمامات اللبنانيين، من دون تفرقة، ما يدلّ على سعة أفق ​السياسة​ الإماراتية وتطلّعها الى ​المستقبل​.

تميّز الشامسي بإنفتاح لافت، واوجد مكانة لبلاده في لبنان، بعدما كانت السفارة قبل ان يتولى شؤونها مغمورة يقتصر دورها على تخليص معاملات لوجستية عادية. ولا بدّ ان بلاده تحرّكت أيضاً بعد تأكيد معلومات حول ادوار تركية في ​شمال لبنان​، تهدف الى حشد تأييد الدور التركي في المنطقة، وتحديدا في سوريا ولبنان، بعد ان ضمنت ​انقرة​ نفوذا في ​ليبيا​، وتحالفا مع قطر، وتسعى الى لعب دور قيادي للعالم الإسلامي.

ولذلك، لا يمكن ان تتفرج ​الامارات​ على عملية التمدد التركي او "الإخواني" الذي يسعى في شمال سوريا الى سلخ مساحات عربية او التمدد في دول عربية أخرى. مما يعني انها تقوم بأعمال جبّارة في مواجهة التطرف، إستدعت إعلان احد اركان قوى "٨ آذار" في لبنان رئيس ​حزب التوحيد العربي​ ​وئام وهاب​ أنه يؤيد الإمارات العربية والسعودية ومصر في مواجهتم للحلف التركي-القطري. يبدو هذا الموقف لا يقتصر على وهاب وحده، بل يعني شريحة سياسية وشعبية واسعة.