إسمحوا لي بادىء ذي بَدء، أن أُعلِن عن إدانتي لليلى ولمشروعها، لموسيقاها الهابطة وكلمات أغانيها السّوقيّة التي لا ترتقي إلى مستوى الكلمة. أن أُدين هذا الجَرف الدّاعر المُصِرّ على اختصار ​الحياة​ بالمساحة المُمتدّة من الذَّكَر إِلى الدُّبر. أنا آسَف لهذا التجرّوء على المُقدّسات، والتصرّف على قاعدة أن لا إله وأن لا مَن يؤمِن بإله. أن أُعارِض مشروع تَشريف الشرّ وجعلِه والخير مِثلان. أن أعترِض على محاولة تغيير المعنى وتحقيق نماذج جديدة يُقصَد بها إنشاء خللٍ إجتماعي يُسمح له بأن يتحكّم بمفاصل الحياة الإجتماعيّة. أن أُناهِض كلَّ فِكرٍ يسبي العقل إلى طاعةِ الشرّ. أن أكفُر... وأكفُر... وأكفُر بالشيطان وبمملكته وجنوده وأدواته المرئيّة وغير المرئيّة. واسمحوا لي أيضاً، أن أُعلِن عن إدانتي للغوغائيين ​المسيح​يين الذين يطوفون على السّطح كلّما دَقّ الكوزُ في جرّة الإيمان، ليُقارِعوا ويُشارِعوا ويُهدّدوا ويَتَوعَّدوا، ويُكَفِّروا ويُبَرِّروا، ويُهيّجوا ويُجيّشوا الأفئدة ويُعزّزوا فيها مشاعر الحِقد والإنتقام، بحجّة الدّفاع عن الإيمان من خطر الأعداء الذين يتربّصون بالدّين وبأتباعه، وكأنّ الكنيسة على هشاشةٍ بمكان، بحيثُ تكاد تهوى أرضاً عند أوّل ريحٍ خفيف! صورةٌ غريبة طبعاً، عن الفكر المسيحي وهي أقربُ إلى التطرّف منه إلى الإيمان، وليس بمقدوري أن أستسيغها.

يا سادة، إنّ أعداء الكنيسة والإيمان لا يُقيمون خارِج أسوار الكنيسة، بل في داخلها. "إن الاضطهاد الأكبر المُنظَّم ضدَّ الكنيسة لا يَنبع من أعداء خارجيين، يقول ​البابا​ بندكتوس السادس عشر، بل ينشأ عن الخطيئة في الكنيسة". نعَم، مُضطهدو الكنيسة ليسوا سِوى أبناء الكنيسة الذين يُعَطّلون صليب المسيح في العالم(1قور1: 17)، أيّ ذبيحة الفداء، من خلال شهادة زور يؤدّونّها: هُم مُفسِدوا الإجيال الذين يُرَوّجون لثقافة الموت. هُم مُروِّجو المُخدّرات وثقافة الخمرة والمَيسر والإنحلال الأخلاقي والمُستسلِمون لإغراءات المُتعة. هُمُ المُتاجِرون بالبشر ومُديرو عُلب الليل. هُم التُّجّار الفاسِدون. هُم المَسحورون بِوَهج المال والسّلطة. هُمُ السياسيّون المُنافِقون. هُم الرّاشون والمُرتَشون. هُم السارِقون والمُزَوّرون. هُمُ الكاذبون المُتملِّقون والمداهِنون. هُمُ المُجرِمون الذين يقتلون بأيديهم، وهُم أيضاً الذين يقتلون من دون أن يستعملوا سلاحاً. هُم السّاعون إلى المكاسب والمَنافِع ولَو بطُرُقٍ غير شريفة. هُم المُجَدّفون على إسم الله وكنيسته. هُم المُشكّكون المتواطئون عل الخير. هُم الزّعران... هُم... هُم... وَهُم... من أجل هؤلاء يجب أن تُرفَع الصّلوات أوّلاً، وعلى هؤلاء يجب أن تُعلَن الثّورة وتخرج المُظاهرات، فهل مَن يجروء؟!.

الثّورة أيّها الإخوة هي ثورةٌ على الذّات الداخليّة، على الخشبة التي في عيون المدعوين مؤمنين وهُم ليسوا كذلِك، قبل أن تكون على الخارِج، على القشّة التي في عيون الآخرين(متى7: 5). على تنقية الكأس من الدّاخل قبل الخارِج، فيتنّقى الخارِج بالدّاخل(متى23: 25-26)، كون الإناء ينضح بِما فيه. ولهذا، فإنّ أغنيّةٌ من هُنا وأُخرى من هناك. تجديف من هُنا وآخر من هُناك. اضطهاد من هنا وآخر من هناك، لا، وليس بإمكانهم أن يهُزّوا الهيكل لأنّه قائِمٌ على المسيح الصّخرة التي لا تتزعزع مهما ضربتها الزّلازل.

في الحقيقة، أنا لا أخاف على إيماني ولا على كنيستي، من "مشروع ليلى" ولا من مشاريع أُخرى تُشبهه، روّجت وتُرَوّج للإنحلال الأخلاقي، فانحلّت هي وبقيت الأخلاق. وأعلنت موت الله، فماتت هي وبقيَ الله، لأنّ لا أحد يرفس مناخِس(أع9: 5 و26: 14) من دون أن يتأذّى. بل أخاف على كنيستي من الغوغائيّن الذين ينتمون إليها، ويؤمنون بطريقةٍ "صبيانيّة" متفلّتة من حكمة الكتاب المقدّس، الذي يدعونا إلى أن لا نُشاكِل أبناء هذا الدّهر في أفعالِهم وردود أفعالِهم، بل أن نُحبَّ أعداءنا ونُصلّي من أجلِ مُبغضينا ومُضطهدينا لكي نكون أبناء أبينا الذي في السّماوات، وكلّ فكرٍ وقَولٍ وفِعلٍ لا يتماهى مع المحبّة باطل؛ فالله لا يُريد مَن يُدافعون عنه، بل مَن يشهدون للمحبّة القادرة وحدها على تطهير الأرض.