إن الدواء حاجة كل مريض، وغيابه يجعل الداء أقوى، فيصعب العلاج. هذا ما يصيب ​بعلبك​ المريضة، فإما يكون العلاج غير مناسب، وإمّا لا يتمّ الالتزام به، فتكون النتيجة كما نشاهدها اليوم، سلاح ورصاص وضحايا.

في 26 الماضي، نهار الجمعة، كانت قلعة بعلبك على موعد مع تحفة فنّية موسيقية رائعة، ضمن فعاليّات مهرجانات بعلبك، اذ كان يفترض بأن يكون عرض "ركويامفردي" ساحرا، وهو العرض الموسيقي الديني الذي ألّفه العبقريالايطاليجوسيبيفردي، ولكن النتيجة لم تكن كما هو متوقع، تقول مصادر مطّلعة، مشيرة الى أنّ العرض الذي يحتاج الى هدوء للاستمتاع به، لم ينجح بسبب أيادٍ خفية قامت بإطلاق النار في محيط مكان المهرجان بلا سبب، الا إفشال الحفل، وأطلقت المفرقعات، لذات الغاية، كاشفة أنّ الصخب المحيط بالموسيقى وأصوات الرصاص دفعت بأحد السفراء للتعبير عن امتعاضه بوضوح في رسالة الى رئيسة لجنة مهرجانات بعلبك نائلة دو فريج قال فيها "اذا كنتم لا تستطيعون تنظيم مهرجانات ناجحة فلماذا تنظموها"؟.

إن هذه الحادثة تعبر عن حال المدينة التي يرغب بعض النافذين فيها استمرار حال الفلتان، لان تغييره سيكون على حساب وجودهم وسلطتهم. تؤكد المصادر أن مدينة بعلبك شهدت في الأشهر الماضية، منذ بداية تطبيق ​الخطة الأمنية​، تحسنا ملحوظا في "الحياة" الاجتماعية والاقتصادية، لا سيما السياحة، ولكنها منذ حوالي الشهرين عادت لوضعها القديم، بسبب التقاعس الامني الذي سمح للمطلوبين بالعودة لحياتهم الطبيعية.

إن هذا التقاعس، والذي ظهر واضحا في حادثة الزفاف الأخيرة التي اودت بحياة 3 من ابناء المنطقة، يُزعج السكان والاحزاب الفاعلة فيهاخصوصًا ​حزب الله​ و​حركة أمل​، لان الواقع المرير لا يُحتمل، وبحسب مصادر الفريق الشيعي فإن الاحزاب لا تستطيع الدخول بقوة لفرض القانون لانّ ​العشائر​ "منها وفيها" ولا يجوز ان تكون طرفا في صراع بل هي تسعى لان يكون الجميع، الحزبي وغير الحزبي، تحت سقف قانون واحد.

وتضيف مصادر الفريق الشيعي: "لا يمكن حصر مشكلة المنطقة بأمر واحد، لجهة غياب الدولة والقوانين أو الوضع المعيشي الصعب وغياب الانماء، مشيرة عبر "النشرة" الى أن ما يجري هوكل الأسباب مجتمعة. وتقول: "حمل السلاح يعود الى المعتقدات القديمة العشائرية التي تربط السلاح بالرجولة والقوّة، واستعماله يعود لغياب تطبيق القانون والمحاسبة، لذلك فإن حلّ هذه المعضلة بحاجة اولا الى تغيير ثقافي في عقليّة الشباب، وثانيا لحزم في تطبيق القانون لأنه بطبيعته لا يُفرض عفوا بل بالقوة".

وتدعو المصادر الى:"اقرار قانون ​العفو العام​ لانه سيساهم كثيرا بعودة المئات للحياة الطبيعية، الى جانب اعلان التشدّد في القوانين فيصبح اطلاق النار بالمناسبات الحزينة والسعيدة عملا يستوجب السجن، اضافة الى التوقيف الفوري لرخص السلاح في بعلبك نهائيا، لمنع تسهيل حمله، وملاحقة ومحاسبة مطلقي النار، وتفعيل الدور التثقيفي لرجال الدين، لان الأمر يشكل رادعا للأعمال المؤذية والقتل والسرقة، ودخول الدولة بكامل أجهزتها الى المنطقة، انمائيًّا وعسكريًّا، وفرض هيبتها"، مشددة على أن "حجّة الغطاء الحزبي سقطت منذ زمن، فكلما ارادت الدولة التحرّك وجدت الساحة امامها مفتوحة، ولكن ما يحصل هو أنها تدخلها لأيام ثم تخليها، فيسرح الخارجون عن القانون ويمرحون".

في تسعينيات القرن الماضي وبداية القرن الجديد، طُبّقت في بعلبك بعض الأحكام الغريبة، ولكنها كانت فعّالة في ضبط الأمن، يومها، عندما يُطلق الرصاص في عرس او عزاء، كان يُلقى القبض على العريس وأهله، او على أهل العزاء، لحين تسليم مطلق النار نفسه، الأمر الذي غيّر الكثير في هذه المسألة. فهل فعلا يريدون الأمن في هذه المنطقة أم التفلّت الأمني؟.