على الرغم من توقيع ​رئيس الجمهورية​ العماد ​ميشال عون​ قانون موازنة العام 2019، لم ينته السجال القائم حول المادة 80 من هذا القانون، والذي أدّى إلى رفع السقف عالياً بين مختلف الأفرقاء السياسيين، إلا أن توقيع الرئيس يعني أنه يريد أخذ الأزمة إلى مكان آخر، خصوصاً بعد توجيهه رسالة إلى ​مجلس النواب​، عبر رئيسه ​نبيه بري​، لتفسير المادة 95 من ​الدستور​، وهنا يطرح البعض السؤال التالي: "هل تقود هذه الرسالة إلى الحل أم إلى أزمة جديدة"؟.

الجواب على هذا السؤال يتطلب العودة إلى نص المادة 95، نظراً إلى أن العودة لها دائمة عند طرح أيّ ملف يتعلق ب​المناصفة​ أو بالتوظيف في ​القطاع العام​، وهي تنص على أن: "على مجلس النواب المنتخب على أساس المناصفة بين المسلمين والمسيحيين اتخاذ الاجراءات الملائمة لتحقيق إلغاء الطائفيّة السياسيّة وفق خطة مرحليّة وتشكيل هيئة وطنيّة برئاسة رئيس الجمهورية، تضمّ بالإضافة إلى رئيس مجلس النواب ورئيس ​مجلس الوزراء​ شخصيات سياسيّة وفكريّة واجتماعيّة.

مهمّة الهيئة دراسة واقتراح الطرق الكفيلة بإلغاء الطائفيّة وتقديمها إلى مجلسي النواب والوزراء ومتابعة تنفيذ الخطة المرحلية.

وفي المرحلة الانتقالية:

أ-تمثّل ​الطوائف​ بصورة عادلة في تشكيل الوزارة.

ب-تلغى قاعدة التمثيل الطائفي، ويعتمد الاختصاص والكفاءة في الوظائف العامة و​القضاء​ والمؤسسات العسكرية والأمنية والمؤسسات العامة والمختلطة وفقاً لمقتضيات الوفاق الوطني باستثناء وظائف الفئة الأولى فيها، وفي ما يعادل الفئة الأولى فيها، وتكون هذه الوظائف مناصفة بين المسيحيين والمسلمين من دون تخصيص أية وظيفة لأية طائفة مع التقيّد بمبدأي الاختصاص والكفاءة".

من حيث المبدأ، بحسب ما تؤكد مصادر قانونية عبر "​النشرة​"، اللغط الأول على هذا الصعيد، يتعلق بعدم اتخاذ الاجراءات الملائمة لتحقيق إلغاء ​الطائفية السياسية​ وفق خطة مرحلية وتشكيل هيئة وطنية برئاسة رئيس الجمهورية، ما يعني أنّ هذه المادة لم تطبق منذ إقرارها، الأمر الذي يفتح الباب على ​النقاش​ حول كل مضمونها، لا سيما لناحية تطبيق المناصفة، نظراً إلى أنّ ما يطالب به البعض، لجهة إلغاء قاعدة التمثيل الطائفي، يفترض أن يكون في المرحلة الإنتقاليّة، التي لم تبدأ بعد، وبالتالي لا يمكن تطبيقها، مع العلم أن التطبيق العملي يجب أن يتم وفقاً لمقتضيات الوفاق الوطني، بحسب ما تنص.

بالنسبة إلى هذه المصادر، تطبيق هذه المادة مرتبط بالمرحلة الإنتقالية بشكل لا يقبل اللبس، وبالتالي من المفترض أن تُعلّق إلى حين إطلاق هذه المرحلة، وبالتالي من المنطقي أن يطلب رئيس الجمهورية من المجلس تفسير هذه بالمادة بشكل نهائي لإنهاء الجدل المستمر حولها، لا سيّما أن هذا الأمر قد يقود إلى فتح النقاش الذي يقود إلى تطبيق إلغاء الطائفيّة السياسية، التي نصّ عليها ​إتفاق الطائف​.

في الجانب المقابل، ترفض مصادر قانونيّة أخرى هذا الربط، بين إستحداث الهيئة الوطنية والغاء ​التوازن الطائفي​، نظراً إلى أن التقييد بالتمثيل الطائفي، من وجهة نظرها، هو في مجلس النواب و​الحكومة​ والفئة الأولى، وبالتالي لا يشمل كل الوظائف العامة، كما أنه من التدابير الموقّتة، إلى حين ​الغاء الطائفية​ السياسية.

وتشير هذه المصادر، عبر "النشرة"، إلى أن النصّ واضح لا يحتاج إلى أيّ تفسير جديد، لكن جوهر المشكلة هو سياسي لا دستوري أو قانوني، وبالتالي الحلّ يكون ب​السياسة​ لكن لا بأس من الذهاب إلى المجلس النيّابي لحسم الجدل، لكنها في المقابل تعبّر عن مخاوفها من أن يؤدّي ذلك إلى أزمة جديدة في البلاد، قد تكون أكبر من القائمة حالياً، مع العلم أنّ التوجه العام في وثيقة الوفاق الوطني هو الذهاب نحو إلغاء الطائفية السياسية لا تكريسها.

في المحصلة، هذه أزمة جديدة تنضم إلى مجموعة أخرى من الأزمات التي تطفو على السطح في الآونة الأخيرة، إلا أن تداعياتها قد تكون هي الأخطر، في حال لم يتم تدارك المستوى الذي يذهب إليه الخطاب السياسي، فهل يكون ​المجلس النيابي​ قادراً على تفسير المادة 95 من الدستور من دون أن يؤدّي ذلك إلى المزيد من التعقيد؟.