كثيرة هي الأقاويل التي رافقت لقاء المُصارحة والمُصالحة الذي عُقد في قصر بعبدا، والذي مَهّد لمُعاودة جلسات مجلس الوزراء بعد طول إنقطاع. فما هي أسباب هذا التحوّل الإيجابي المُفاجئ، وهل من ضمانات وتعهّدات جرت بعيدًا عن الإعلام؟.

بداية لا بُدّ من الإشارة إلى أنّ "الضوء الأخضر" لإنهاء هذه الأزمة، إتخذ من خارج إرادة كل من النائب ​طلال أرسلان​ والنائب السابق ​وليد جنبلاط​، حيث توافق كلّ من رئيس الجمهوريّة العماد ​ميشال عون​ ورئيس الحُكومة ​سعد الحريري​، على مُعاودة جلسات مجلس الوزراء من دون أيّ تأخير إضافي، لوقف الأضرار الجسيمة التي لحقت بالإقتصاد اللبناني خلال الأسابيع القليلة الماضية، في حين جرى تبنّي طرح رئيس مجلس النواب ​نبيه برّي​ القاضي بإتمام المُصالحة السياسيّة قبل أيّ شيء آخر. وفي الوقت الذي تصاعدت الضُغوط الدَوليّة على لبنان، لمُعالجة المُشكلة بالسرعة اللازمة، في ظلّ تصاعد المخاوف من أن يصدر تقرير مُؤسّسة "ستاندر أند بورز" في الثالث والعشرين من الشهر الحالي بتقييم سلبي عن الواقع المالي في لبنان، تحرّك رئيس مجلس النوّاب في إتجاه رئيس "الحزب الإشتراكي"، في حين تحرّك مُوفدون عن أمين عام "​حزب الله​" السيّد حسن نصر الله، وكذلك من جانب "التيّار الوطني الحُرّ" في إتجاه رئيس "الحزب الديمقراطي اللبناني". وإنتهت هذه الإتصالات بتنازل النائب طلال أرسلان عن شرطه السابق بضرورة إحالة أحداث ​قبرشمون​ والبساتين إلى ​المجلس العدلي​ في أوّل جلسة للمجلس الوزراء وإلا فإنّ وزير الدولة الدولة لشؤون النازحين ​صالح الغريب​ سيُقاطع الجلسة، وتراجع النائب السابق وليد جنبلاط من جهته عن شرطه السابق بأن تكون المُصالحة مع "حزب الله" مُباشرة، وكذلك تراجعه عن ضرورة أن يسبق المُصالحة تسليم كل المطلوبين في "أحداث الجبل"، وتحديدًا أولئك المُنتمين إلى "الحزب الديمقراطي"، إضافة إلى تراجعه عن طلبه أن تجري المُصالحة في عين التينة وليس في القصر الجمهوري في بعبدا.

وبحسب المعلومات المُتوفّرة، فإنّ تنازل النائب السابق جنبلاط جاء بعد حُصوله على ضمانات من رئيس مجلس النوّاب، ألاّ تكون التحقيقات والمُحاكمات المُعتمدة من جانب "المحكمة العسكريّة" في قضيّة "أحداث قبرشمون والبساتين" مُوجّهة مُسبقًا للنيل من "الحزب التقدمي الإشتراكي"، وألاّ تأتي على حسابه الشخصي أو على حساب أيّ نائب أو مسؤول من "الحزب الإشتراكي". والأهمّ من هذه الضمانات تمثّل بتعهّد رئيس مجلس النوّاب-ودائمًا بحسب المَعلومات المُتوفّرة، بأن يعمل في المُستقبل القريب على تنظيم لقاء قريب بين مسؤولين من "الإشتراكي" وآخرين من "حزب الله"، بهدف إعادة ترتيب مُقوّمات "تنظيم الخلاف" الذي كان قائمًا بين الطرفين منذ سنوات طويلة، قبل أن تتسبّب مجموعة من المشاكل المُتراكمة في تعثّره، ومن ثم في تجميده، بعد موقف النائب السابق جنبلاط من مزارع شبعا، وبعد إجراءات وزير الصناعة وائل أبو فاعور إزاء معمل الإسمنت العائد إلى "آل فتّوش" في "عين داره"، إلخ.

من جهة أخرى، عُلم أنّ تنازل النائب أرسلان جاء بعد حُصوله بدوره على تعهّدات من جانب "التيّار الوطني الحُرّ" بأنّ تحقيقات قضيّة أحداث قبرشمون والبساتين ستسلك طريقها القانوني حتى النهاية، من دون أي تسويات على دماء مُرافقي الوزير الغريب اللذين سقطا في الأحداث، وبأنّ كل المَطلوبين في هذه الأحداث سيتم توقيفهم عاجلاً أم آجلاً للتحقيق معهم. وبحسب المَعلومات المُتوفّرة أيضًا، إنّ النائب أرسلان، وبقدر ما يُعطي أهمّية لحلّ قضية "أحداث الجبل"، هو حريص أيضًا على ضرورة حفظ موقعه السياسي والشعبي في أي تعيينات مُقبلة وكذلك في أي قرارات إستراتيجيّة خاصة بطائفة المُوحّدين الدُروز، وقد حصل من جانب "التيّار الوطني الحُرّ" على تعهّدات بأنّ "التيّار" لن يسير بأيّ تعيينات، ما لم يتم خلالها حفظ التعدّدية الدُرزيّة، حيث أنّ صفحة حُصول النائب السابق جنبلاط وحزبه على كل التعيينات، قد طُويت إلى غير رجعة، وبأنّ "التيّار" يرفض أيضًا الأحاديّة الجنبلاطيّة التي كانت سائدة سابقًا في القرارات السياسيّة الخاصة بالدُروز.

وإنطلاقًا من كل ما سبق، يُمكن القول إنّ مجلس الوزراء عاد إلى الإنعقاد، ولا عودة إلى الوراء في هذا السياق، ولكن عمليّات "شدّ الحبال" بين الحزبين "الإشتراكي" و"الديمقراطي" ستبقى قائمة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى "الكباش" الحاصل بين "الإشتراكي" و"التيّار الوطني الحُرّ"، بشأن أكثر من قضيّة. ووتيرة التصعيد السياسي يُمكن أن ترتفع من جديد، عند بدء تنفيذ المُداهمات الأمنيّة لتوقيف كل المَطلوبين بأحداث قبرشمون والبساتين، خاصة في حال طاولت مُناصري "الإشتراكي" من دون عناصر مُواكبة الوزير الغريب، وكذلك عند طرح موضوع التعيينات على طاولة البحث من جديد.

وبالتالي، الأنظار ستتّجه خلال الأيّام والأسابيع القليلة المُقبلة، إلى مجموعة من الملفّات التي من شأنها أن تتسبّب بتعميم أجواء الإرتياح أو على العكس من ذلك بإعادة أجواء التوتّر، بدءًا بأسلوب التعاطي الأمني مع المَطلوبين في "أحداث الجبل"، مُرورًا بأسلوب التعامل مع مُختلف القوى السياسيّة على صعيد التعيينات المُرتقبة، وُصولاً إلى مدى نجاح الوساطات القائمة لإعادة التواصل بين "الحزب الإشتراكي" و"حزب الله"، إلخ...