خرجت الباحثة والمؤرخة ​لينا المر نعمة​ أخيرًا عن صمتها حيال منع السلطات اللبنانية كتابًا لها صدر في ​باريس​ منذ سنتين، مشيرة الى أن، كتابي Tariq Ramadan, Tareq Oubrou, Dalil Boubakeur : ce qu’ils cachent صدر في باريس سنة ٢٠١٧. فضحت فيه تعاليم ثلاثة رجال من الأكثر تأثيرا في أوروبا، هم طارق رمضان، وطارق أوبرو، ودليل بوبكر. كنت حريصة على عدم إلحاق الأذى بأحد، وعلى قول الحقيقة المجرّدة. فاستعملت المراجع الموثوقة، وأولها القرآن، ثم السنة.

لكن الأمن العام أبلغنا بعد خمسة أشهر، أن الكتاب منع في لبنان. وعلمنا، من مصادر في وزارة الداخلية، أن دار الإفتاء هي التي أرادت منعه.

لو وجِد في هذا الكتاب أيّ شيء ليس صحيحًا بالنسبة الى المراجع التي تعتمدها دار الافتاء، لسجَنوني في لبنان. ولو افتريت على أحد، لنلت العقوبة نفسها في فرنسا. منع كتابي من دون إعطاء السبب، يعني أن الموضوع مزعج. وأنا أعلم أنه مزعج. وضعت هذا الكتاب لأني أفضل أن أزعج على أن أحمّل ضميري موت الأبرياء بسبب صمتي.

تكلمت فيه على نشأة الإخوان المسلمين في مصر، بدأ باضطهاد طه حسين، ووصولا الى قتل الناشط الشهير في حقوق الانسان فرج فوده كـ"مرتد". وشرحت أفكار مؤسس الإخوان، حسن البنا وخطته. وهذه هي الخطة التي مارسها أسامة بن لادن، وطبقها رؤساء داعش.

حسن البنا، ككل الإسلاميين، لم يكن يقبل بوجود لبنان مستقلًّا عن سوريا. إضافة إلى ذلك، كان ينوي ضمه الى الخلافة التي كان يعمل على إعطائها الحكم على مصر، قبل جعلها تضم البلدان المجاورة، ثم سائر العالم. وهذا برنامج مهم بالنسبة إلينا، لأنه يعني حربًا طاحنة على لبنان، قبل فرض حدود (أي عقوبات) الشريعة الإسلاميّة علينا وعلى سائر هذه البلدان. وأبو بكر البغدادي، قائد داعش، وعد المسلمين وسائر البشر، بتطبيق هذا البرنامج بالتحديد. لذا قتل الرجال واغتصب وباع النساء والأطفال وافتعل المجازر الكبرى على أسس دينية، في كل أرض سطا عليها. فهذا ما تأمره به، النصوص التي أوردتها في كتابي. فهل هذه النصوص هي التي أدّت الى منع كتابي؟ أم هي النصوص التي تتكلم على "تفخيذ الصغيرة"، التي أوردها الكتاب أيضا؟ إذا كانت هذه النصوص التي تستعملها داعش غير معتمدة ويرفضها دار الإفتاء، فكان عليه إعلان ذلك بدلًا من منع كتابي. وأنا أعرف الكثيرين من المسلمين الذين يرفضون أيّ فكرة تتجاوز حقوق الإنسان. وأشهرهم أحمد عبده ماهر. وبالأكيد، يوجد علماء في دار الإفتاء يرفضون هذه النصوص. فعليهم التعبير عن رأيهم.

أما حفيد حسن البنا، طارق رمضان، فهو يعمل هو ووالده وأخوه منذ عقود، على فرض أفكار حسن البنا في أوروبا، بعدما عمل أبوه سعيد رمضان، على فرضها في فلسطين ولبنان وسوريا وباكستان، ثم في أوروبا والعالم. وكانت شركة سعيد رمضان مع السعوديين مهمّة، إذ كان الملك فيصل يمده بكل الأموال اللازمة.

ولم يكن الجمهور يدري بحقيقة تعليم طارق رمضان، قبل أن أفضحه في كتابي، بالإثباتات المقتبسة من النصوص التي يذكرها. وأنا أبرهن أن الأفكار التي يبثها طارق رمضان، وطارق أوبرو، ودليل بوبكر هي التي تصنع الإرهابيين. وهذا مصيريّ بالنسبة إلينا. فكم من إرهابي فرنسي أو إنكليزي أو بلجيكي أو ألماني جاء إلى المشرق لمساعدة القاعدة، وداعش والنصرة، على فرض سيطرتها على سوريا بغية احتلال لبنان أولًا، وبلدان أخرى ثانيًا؟.

إني أفهم أن هذه المواضيع الشائكة قد تزعج. لكن كتابي هو علمي. لو كان كتاب رأي، لأقام عليّ الدعاوى أي من الأشخاص الذين يفضحهم. وكنت الآن في السجن في فرنسا بتهمة القدح والذم. لكنهم لم يقيموا أيّ دعوى علي، علمًا منهم أنهم سيخسرونها.

ربما يوجد سبب آخر لمنع كتابي في لبنان. فهو يشرح كيف تمت الغزوات العربيّة للمشرق والمغرب، وبذلك، يعطي حقًّا لكل من يرفض نعت لبنان وسوريا والمغرب وتونس والجزائر ومصر والسودان والعراق وغيرها، بـ"العربي". فعندما يعلم المرء كيف ذبح العرب أجدادهم، واغتصبوا نساءهم وأطفالهم، وباعوهم في سوق الرقيق، يفهم أن المحتل، لمنع الثورات، يفرض هويّته على الشعوب التي سرق أراضيها وممتلكاتها وأبنائها. فهكذا يجعل الشعب المظلوم يخدمه، بدلًا من أن يثور عليه.

أنا لم أسئ إلى أحد حين استشهدت بكتب التاريخ القديمة وبنصوص تعتبر مقدّسة، وأوردت التفسيرات الرسميّة لها. أنا لم أخترع شيئًا. لذا كان سؤالي لسماحة المفتي وعلماء دار الإفتاء في شريط الفيديو الذي نشرته على مواقع التواصل الاجتماعي: "أحب أن أعرف ماذا أزعجكم في كتابي. والشعب اللبناني أيضًا يريد أن يعرف لماذا يُحرم من قراءته". وتمنيت على دار الافتاء إعادة النظر في حظر كتابي. وفي الشريط نفسه توجهت إلى منظمات حقوق الانسان، بخصوص منع كتابي، متسائلة عما يجب ان أفعل حتى يكون لي في لبنان، الحقوق نفسها التي ينعم بها أفراد مجموعة "مشروع ليلى".

صحيح أني لم أفضح منع كتابي في الإعلام سنة ٢٠١٧. لكني لست شخصية مجهولة في لبنان. والمواضيع التي يتناولها الكتاب، أمّنت له دعاية لا بأس بها في فرنسا وخارجها. لذا تجده في عشرات المكتبات العالميّة، خصوصًا الجامعيّة منها. لم يكن من الممكن إخفاء وجوده على الجمهور اللبناني المثقف. ومنظمات حقوق الإنسان تعرفني، وتعرف في أي خطر أنا منذ أكثر من عشر سنوات. وتعرف أن هذا الخطر يزداد مع ازدياد تصريحاتي وإصداراتي، بما أني لا أتناول سوى المواضيع الحساسة، التي لا يتناولها غيري. وهل يوجد في لبنان امرأة في خطر أكبر من التي أحرقت علم داعش سنة ٢٠١٤؟.

منظمات حقوق الإنسان كانت تستطيع متابعة أخباري بتسجيل اسمي على الغوغل كما تفعل مع غيري. ولو فعلت ذلك، لكانت علمت بوجود الكتاب، وحاولت إيجاده في مكتبة للاطلاع عليه، لترى إذا كان يزيد عليّ الخطر أم لا. فكانت المكتبات أعلمتها بمنعه. لكن بالطبع، لن تفعل ذلك إلا إذا وضعت الخطر الذي يهدد حياتي، في المكان المناسب.

وفي مقال سينشر غدا، سأتحدّث عن هذه المنظمات وعن عدم مساعدتها لي وللشبان الذين أحرقوا علم داعش، في مواجهة الاعتقال الذي وعدنا به وزير العدل أشرف ريفي.