لا تزال زيارة رئيس ​الحكومة​ ​سعد الحريري​ إلى الولايات المتحدة الأميركية تشهد روايات متناقضة، بالنسبة إلى نتائجها والتداعيات المترتبة على ذلك، بالرغم من أنها في الشكل أوحت بأن الأمور تسير نحو التهدئة، لا سيما بعد زيارة التي قام بها وزير ​الخارجية الأميركية​ ​مايك بومبيو​ إلى مزرعة الحريري.

منذ ما قبل توجّه الحريري إلى واشنطن، كانت المعلومات الرسميّة تفيد بأن رئيس الحكومة يدرك جيداً الموقف الأميركي المتشدّد تجاه "​حزب الله​"، وبالتالي من غير المتوقع أن ينجح في التخفيف من حدّته، بينما الأمل هو في الحدّ من تداعياته، لا سيما على مستوى الدولة ال​لبنان​يّة.

في الأوساط اللبنانية، بعد الزيارة، أكثر من رواية، الأولى تعتبر أن الولايات المتحدة لن تذهب إلى توسيع دائرة الضغوط والعقوبات التي تفرضها، لا سيّما أن هدفها الأساسي هو جرّ الجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى طاولة المفاوضات، وبالتالي ليس لها مصلحة في تفجير الأوضاع برمّتها، خصوصاً أنها تسعى إلى لعب دور الوسيط في مفاوضات ​ترسيم الحدود​ بين لبنان وإسرائيل.

في المقابل، هناك رواية ثانية تتحدث عن رغبة أميركيّة في الذهاب بعيداً في سياسة العقوبات، لتشمل حلفاء الحزب على الساحة اللبنانيّة، الأمر الذي يجري التداول به منذ أشهر طويلة، من دون أن يبرز أيّ معطى رسمي على حقيقته أو إمكانيّة تحويله إلى أمر واقع في المرحلة المقبلة، ويدعم هذه الرواية العديد من الشخصيات المحليّة التي تصنّف على أساس أنها تدور في فلك الولايات المتحدة.

في هذا السياق، تشدّد مصادر سياسيّة مطلعة، عبر "النشرة"، على أن أحداً في لبنان لا يملك حقيقة الموقف الأميركي، نظراً إلى أنّه في ظل الإدارة الحاليّة لا يمكن توقّع الخطوات التي قد تذهب إليها واشنطن، لكن الرواية الثانية تمثل تمنّيات لدى البعض ممّن هو موقع المعارض لـ"حزب الله" والتسوية الرئاسيّة بين "​التيار الوطني الحر​" وتيار "المستقبل"، حيث يعتبر هؤلاء أنّ مثل هذا التوجّه قد يقود إلى عزل الحزب بطريقة أو بأخرى.

وتشير هذه المصادر إلى أنّ واشنطن لا تعمل وفق التمنّيات بل وفق منطق المصالح، وبالتالي من المفترض السؤال هنا عن المصلحة الأميركيّة في التصعيد على الساحة اللبنانيّة، وتلفت إلى أن المعطيات القائمة توحي برغبتها في الحفاظ على الستاتيكو الحالي، نظراً إلى أنّها تدرك أن ميزان القوى لا يميل لصالح حلفائها في الوقت الراهن، في حين أنّ أيّ خطوة غير محسوبة النتائج قد يكون لها تداعيات عكسيّة على هذا الميزان الذي يجري التعامل معه بدقة متناهية.

إنطلاقاً من ذلك، تشدّد المصادر نفسها على وجود من يطمح على الساحة اللبنانيّة بإعادة عقارب الساعة إلى الوراء، أيّ إلى مرحلة الإنقسام السياسي الحاد بين قوى الثامن والرابع عشر من آذار، لكن عملياً المعركة في مكان آخر، والتوجّه هو نحو التركيز على الملفّات الإقتصاديّة التي ستكون العنوان الأبرز في المستقبل القريب، لكن في المقابل لا ينبغي تجاهل بعض المعطيات الأخرى.

على هذا الصعيد، تلفت المصادر السياسيّة المطلعة إلى ربط غير مباشر، ظهر خلال زيارة رئيس الحكومة إلى الولايات المتحدة، بين مؤتمر "سيدر"، الذي تراهن عليه القوى المحليّة، ومفاوضات ترسيم الحدود، حيث يُقال بأنه بات على الجانب اللبناني حسم موقفه منها، وتسأل: "هل من شروط وضعت على هذا الصعيد، لا سيّما بالنسبة إلى واشنطن التي تستطيع أن تلعب الدور المباشر في تشجيع الشركات الأميركيّة على الإستثمار، وآخر غير مباشر في تحفيز حلفائها، لا سيما الخليجيين، على الإستثمار أيضاً"؟.

من وجهة نظر هذه المصادر، هذه هي النقطة الأساس في زيارة الحريري إلى واشنطن، التي ينبغي متابعتها بشكل دقيق، لا سيّما أنها بحال صحتها تكون مرتبطة بشكل مباشر بمبادرة السلام الأميركيّة في الشرق الأوسط، أو ما يعرف بـ"صفقة القرن"، وتضيف: "كل شيء سوف يتظهّر خلال وقت قصير، لكن حتى الساعة لا يمكن الحديث عن أيّ تحوّل جديد في سياسة واشنطن تجاه لبنان".

في المحصّلة، بين بيروت وواشنطن الكثير من رسائل التهدئة، التي ترتبط مباشرة بمسار العلاقات الأميركية-الإيرانية، لكن من جهة أخرى لا يمكن تجاهل الواقع الذي تمرّ به المنطقة، والذي قد يحمل معه بأيّ وقت مفاجآت عديدة.