خسرت "​القوات اللبنانية​" جولة جديدة في إطار معركتها مع رئيس "​التيار الوطني الحر​" وزير الخارجية ​جبران باسيل​، وخرجت من "محاصصة" ​المجلس الدستوري​ خالية الوفاض، بعدما فشلت في إيصال مرشحها المحامي سعيد مالك، بالتصويت.

وتحت شعار "الضربة التي لا تقتل تقوّي"، سارعت "القوات" إلى محاولة امتصاص الخسارة، فنعت "الأخلاقيات في السياسة"، متحدّثةً عن "خديعة" تعرّضت لها، موجّهة بذلك سهامها إلى كلّ من رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ ورئيس مجلس النواب ​نبيه بري​ بالدرجة الأولى، قبل باسيل نفسه.

لم تتفاجأ "القوات" بموقف باسيل، ربما، وإنما بتركها وحيدةً مرّةً أخرى، من جانب بري والحريري، اللذين كانا قطعا "وعداً" بمساندتها على حدّ ما تقول، فهل صحيح أنّهما "غدرا" بها، ولماذا؟ وأيّ تداعياتٍ لما حصل على العلاقة بين "القوات" ومن تفترضهم "حلفاءها"، وربما على وجودها نفسه في الحكومة؟!.

إحراج للإخراج؟!

يوم شاركت "القوات" في جلسة مجلس النواب لتسمية خمسة من أعضاء المجلس الدستوري، لم يكن مرشحها المحامي سعيد مالك من بينهم، قيل لها إنّها تخطئ، وإنّ الأخير إذا لم يأتِ من البرلمان فهو لن يصل أبداً، لكنّها أصرّت على العكس، مستندة إلى ما قالت إنّها "وعودٌ" تلقّتها من بري والحريري بمساندته في الحكومة، معطوفةً على تأكيد الوزير باسيل أنّه لا يسعى إلى الاستئثار ب​التعيينات​.

لم تدرك "القوات" الواقع إلا عندما دنت ساعة "الحقيقة"، فوجدت نفسها عاجزة عن إيصال مرشّحها إلى عضوية المجلس، بعدما تراجع من تراجع عن الاتفاق، بشهادة بري، وفرض التصويت خياراً آخر. لم يكن المفاجئ بالنسبة إليها أن يعمد باسيل إلى تسمية مرشّحٍ آخر في مواجهة مالك، ولو كان نفى سابقاً تهمة "الاستئثار" التي وجّهها إليه "القواتيون" وغيرهم، بل بعدم وقوف بري والحريري إلى جانبها، ولو لرفع العتب.

وفي حين يعتقد كثيرون أنّ ما حصل جاء نتيجة "صفقة" أخرى أبرمها الحريري وباسيل في الاجتماع الذي عقداه عشيّة جلسة مجلس الوزراء، ترى "القوات" أنّ ما حصل ليس سوى حلقة جديدة من مسلسل استهدافها من قلب الحكومة، من خلال إحراجها لإخراجها، وهو ما تصرّ على أنّه لن يحصل، لا اليوم ولا بعد حين. وتذكّر أوساطها بأنّ هذا الاستهداف ليس بجديد بل هو سابق لولادة الحكومة، يوم كانت "القوات" وحدها دون سائر الأفرقاء، من هدّدها الحريري بالسير بالحكومة من دونها، إذا ما أصرّت على مطالبها، فيما بقي أشهراً، أمضى معظمها معتكفاً، ينتظر حلّ عُقَد الآخرين.

ولعلّ أكثر ما أغاظ "القوات" في المشهد كلّه، انطلاقاً من التجارب السابقة، يبقى في تكريسها "الحلقة الأضعف"، من حلفائها المفترضين قبل غيرهم، في مقابل ما تعتبرها "تضحيات" تقدّمها باستمرار، وكان آخرها خلال الأزمة الحكومية الأخيرة، يوم وقفت طوعاً مع "الحزب التقدمي الاشتراكي"، ومن خلفه الحريري، واضعةً الأمر في سياق استهداف "14 آذار"، لتتمّ التسوية في النهاية من دونها، بل على حسابها.

"ازدواجيّة قواتيّة"؟!

بيد أنّ الحُجَج التي تعتمدها "القوات"، دفاعاً عن موقفها، تُواجَه بحُجَجٍ مقابلة، ممّن يعتبرون أنّها تبالغ بشدّة، أولاً في الحديث عن "الأخلاقيّات"، وبالتالي بتصوير نفسها وكأنّها "المبدئيّة" الوحيدة، وثانياً في رسم السيناريوهات حول خطط عزل وإقصاء وما شابه، وحتى في توجيه الاتهامات بالاستئثار، وما إلى هنالك.

فعلى المستوى الأول، وبعيداً عن صحّة ما حُكي عن "وعودٍ" قُطِعت لـ"القوات" من جانب بري والحريري، وبمُعزَلٍ حتى عن دقّة ما قيل عن "غدرٍ"، ثمّة من يقول إنّ "القوات" هي التي أخرجت نفسها بنفسها، يوم "انقلبت" على التفاهمات، كما حصل مثلاً بتعاطيها مع الموازنة، التي وافق عليها وزراؤها في مجلس النواب، بتحفّظٍ أو من دونه، ثمّ صوّت نوابها ضدّها في مجلس النواب.

وحتى لو صحّ أنّ "القوات" اعترضت، كما تقول، على الموازنة داخل مجلس الوزراء، فهي، كما يقول خصومها، قفزت على مبدأ "التضامن الوزاري"، واضعة يدها بيد معارضي الحكومة، ربما لأنّها كانت تخشى أن تؤدي "شعبوية" البعض، إلى استقطاب جزءٍ من جمهورها. ومن هنا، تُطرَح علامات استفهام عن "الازدواجية" في السلوك "القواتي"، إذ كيف تريد "القوات" أن تستفيد من "جنّة" الحكم، عبر الحصول على تعيينٍ من هنا أو هناك، في وقتٍ تتمادى في المعارضة، ما يُحرج أهل الحكومة، وكأنّها ليست منهم.

وأبعد من ذلك، على المستوى الثاني، وتحديداً بما يتعلق بالإقصاء والعزل، ثمّة من يردّ على المنطق "القواتي"، بالقول إنّ الأمر ليس أكثر من "بروباغندا" تسعى من خلالها "القوات" إلى تصوير "مظلوميّة" لا أساس لها. ويلفت هؤلاء إلى أنّ ما حصل على صعيد تعيينات "الدستوري" خير دليل، إذ إنّ "القوات" رفضت التجاوب مع كلّ الوساطات التي دعتها إلى تسمية مرشحين آخرين، بل أصرّت على تسمية مرشّحٍ واحدٍ عن المقعد الماروني، ولو قالت إنه ليس حزبياً، في وقتٍ كان فريق رئيس الجمهورية يعتبر أنّ هذا المقعد بالذات، من حقّه، ولو كان ذلك أيضاً خاضعاً للجدل.

المصلحة أولاً!

قد يكون الحديث عن "الأخلاقيات" جذاباً، في أيّ مجالٍ من المجالات، باعتبار أنّ لكلّ مهنةٍ "أخلاقياتها" التي ينبغي التزامها، وعدم الخروج عنها، تحت أيّ ظرفٍ من الظروف.

وإذا كان ذلك يصحّ على مجال السياسة بطبيعة الحال، فإنّ المفارقة تكمن أنّ "الأخلاقيات" تتحوّل هنا أيضاً إلى وجهة نظر، يفسّرها كلّ فريق وفقاً لرؤيته، وقبل ذلك لمصلحته، باعتبار أنّ المصلحة تأتي أولاً، لتأتي كلّ التفاصيل على هواها.

وسواء صحّ أنّ "القوات" خُدِعت، أو أنّها من انقلبت على نفسها، يبقى الأكيد أنّها خسرت الجولة، فهل تأخذ "العِبَر"، قبل جولات التعيينات المنتظرة، أم أنّ ما كُتِب قد كُتِب بصفقةٍ شاملة، رضيت "القوات" أم لم ترضَ؟!.