منذ لحظة الإعلان عن الإعتداء الإسرائيلي على ​الضاحية الجنوبية​، توقف الكثيرون عند موقف رئيس الحكومة ​سعد الحريري​، لا سيما بعد أن أظهر تبايناً عن معظم القوى والشخصيّات التي كانت تدور في فلك قوى الرابع عشر من آذار، خصوصاً بعد البيان الأول الذي أصدره قبل أن يصدر أي موقف لبناني رسمي آخر، الذي وصف فيه ما حصل بـ"اعتداء مكشوف على السيادة اللبنانية".

الوصف الحريري لما حصل، الذي ترافق مع جولة من الإتصالات الدبلوماسية التي يجريها، يختلف كثيراً عن توصيف القوى والشخصيات المذكورة في الأعلى، والتي رغم إدانتها العدوان، ذهبت إلى التلميح بأنه يأتي في سياق الصراع الأميركي-الإيراني أو الإسرائيلي-الإيراني، متجاهلة الخروقات التي تقوم بها تل أبيب منذ نهاية عدوانها على لبنان في تموز من العام 2006.

في هذا السياق، تتوقف مصادر سياسية مطلعة، عبر "النشرة"، عند تولي رئيس الحكومة، في جلسة مجلس الوزراء الأخيرة، الرد على وزير الشؤون الإجتماعية ​ريشار قيومجيان​، بالتأكيد أن إسرائيل هي من بدأت بالإعتداء على لبنان، بعد أن كان وزراء حزب "القوات اللبنانية" يطالبون بترك حق الرد إلى الدولة اللبنانية.

وتشير هذه المصادر إلى أن رئيس الحكومة، في هذا الموقف الذي تكرر بعد إجتماع ​المجلس الأعلى للدفاع​، يتناغم مع ما ورد في البيان الوزاري، لكنها تؤكد أن هذا الموقف المتميّز يستحق التوقف عنده، لا سيما أنه يأتي بعد زيارته الولايات المتحدة الأميركيّة، التي أثيرت حولها الكثير من علامات الإستفهام من قبل البعض.

من وجهة نظر هذه المصادر، لا أحد يجادل بأن الحريري يفضّل عدم تطور الأوضاع على الجبهة الجنوبيّة بأيّ شكل من الأشكال، لكنه في المقابل يدرك بأنّ مسؤوليّة أيّ تطوّر لا يتحمل "​حزب الله​" المسؤولية عنه، نظراً إلى أن الجانب الإسرائيلي هو من بادر إلى تجاوز الخطوط الحمراء، ومن هذا المنطلق يحرص، عبر حركته الدبلوماسيّة، إلى الضغط على تل أبيب لعدم تفاقم الأوضاع، لا سيّما بعد الردّ المنتظر من جانب "حزب الله".

في قراءة المصادر السياسيّة المطلعة، ينبع موقف الحريري الحالي من المعادلة التي يلتزم بها منذ عودته إلى السراي الحكومي، أيّ السعي إلى عدم تفجير الأوضاع الداخليّة بأيّ ثمن، الأمر الذي دفعه إلى تجاهل العديد من الإستفزازات المحليّة، والتركيز على معالجة الأوضاع الإقتصاديّة التي تمرّ بها البلاد، خصوصاً أنه يحظى بدعم رئيس المجلس النيابي ​نبيه بري​ في هذا المجال.

وتشدّد هذه المصادر على أن رئيس الحكومة، على هذا الصعيد، يتمايز عن معظم حلفائه السابقين، الذين يعتبرون أن مصلحتهم الأساسية تكمن بإسقاط التسوية الرئاسيّة، نظراً إلى أن نتائجها لم تصبّ في صالحهم كما كانوا يتمنون، وبالتالي يريدون عبر الحريري تحسين أوراق قوّتهم في المعادلة الداخليّة، وتضيف: "هم يعتبرون أن مشكلتهم الأساسية مع حزب الله، وبالتالي ليس هناك ما يمنع إستغلالهم الوضع الحالي من أجل ذلك".

في هذا الإطار، تستغرب المصادر نفسها المواقف التي يطلقها البعض من هذه الشخصيات والقوى، ففي بعض الأحيان يحذّرون من أيّ خطوة قد يقوم بها "حزب الله"، في إطار الرد على الإعتداء الإسرائيلي، ليعودوا بعد ذلك إلى إنتقاد، ولو بصورة غير مباشرة، تأخر هذا الرد، وهو ما يضعونه في إطار التفاهمات المسبقة غير المعلنة.

في المحصّلة، لا يستطيع رئيس الحكومة التماهي مع هذه المواقف إطلاقًا، إنطلاقاً من موقعه أولاً، ومن التداعيات التي قد تترتب على ذلك ثانياً، لكن في المقابل الحملة القائمة لن تتوقف في وقت قريب، حتى ولو أخذت أشكالا مختلفة مع تطور الأحداث.