لم يعد يجوز إلا الصراحة المطلقة والجرأة المطلقة لأن الوضع النقدي والإقتصادي والمعيشي والحياتي وصل إلى مرحلة يقف فيها على حافة الإنهيار، لا سمح الله.

ولو لم يكن الامر كذلك لَما كان ​رئيس الجمهورية​ دعا إلى ​طاولة الحوار​ الإقتصادي الإثنين المقبل.

ولإنعاش الذاكرة: طاولةُ الحوارِ هذه، بمواضيعِها وملفاتِها، هي الاولى في تاريخ لبنان، ربما لأن الازمة التي يمر بها لبنان هي الأولى على هذا المستوى سواء بعد ​الطائف​ أو قبله، ويكفي ان تُعرَف التحضيرات التي تجري والملفات التي تُحضَّر للبحث، حتى يُدرِك المتابعون أهمية ودقة وخطورة وحساسية ما يجري.

***

طاولة الحوار الإقتصادي الإثنين المقبل، لن تكون وليدة ساعتها، الإعداد لها على أكثر من مستوى بدأ منذ نحو شهر وفق التدرج التالي:

إجتماع مالي عقد في التاسع من هذا الشهر وحضره الرؤساء الثلاثة ووزيرا المال و​الاقتصاد​، وحاكم ​مصرف لبنان​ ورئيس ​جمعية المصارف​. في ذلك الاجتماع تمّ وضع بعض الافكار لمعالجة ​الوضع الاقتصادي​ والمالي، على أن يتبعه تنفيذ ما تقرر.

بعد نحو اسبوعين على الاجتماع الاول، عُقد اجتماع ثانٍ ضمَّ، هذه المرة، خبراء اقتصاديين يمثِّلون مختلف مكوِّنات الحكومة، فكان هناك خبراء يمثلون الرئيس بري والرئيس الحريري وحزب الله و​القوات اللبنانية​، إضافة إلى وزيرين من أصحاب الاختصاص المالي والاقتصادي.

ويبدو ان هذه اللجنة وضعت جملة من الأفكار ستُشكِّل إنطلاق النقاش على طاولة الحوار الإثنين المقبل، وجاء اجتماعها الثاني هذا الاسبوع بعيدًا من الاضواء

الاعلامية لإنجاز هذه المقترحات التي تحتاج إلى غطاء من الجميع، لذلك تمت دعوة الجميع الى طاولة الحوار ليتحملوا جميعهم المسؤولية وكي لا يبقى احد خارجها ويرفع الصوت إعتراضًا وربما تشويشًا.

***

ومن هذه المقترحات التي يصفها البعض بالجريئة، فيما يعتبرُها البعضُ انها ستتسبب بمشاكلَ اجتماعية لأنها ستكون فوقَ طاقةِ شريحةٍ واسعةٍ من الناس:

رفعُ كل انواع الدعم عن كل السلع، بما يعني رفعُ تعرفة ​الكهرباء

زيادةُ الضريبةِ على ​القيمة المضافة​ الى 15%.

وضعُ رسم (حوالى 5 آلاف ليرة) على صفيحة ​البنزين​.

ومن الاقتراحات أيضاً زيادةٌ جديدةٌ على ضريبة الفوائد المصرفية.

محاولةٌ لتقديم مقترحات لتخفيض ​أسعار الفوائد​ من اجل تخفيض خدمة الدين.

تنفيذُ إجراءاتٍ إصلاحية لجهة مَنع التهرّبِ الضريبي والتهرّبِ الجمركي.

***

وربما لهذه الاسباب، ارادَ رئيسُ الجمهورية ان يكون الجميعُ في "قارب الإنقاذ" لئلا يغرق، ولذا فهو قال: "وجّهنا الدعوة الى رؤساء الأحزاب اللبنانية لبحث الأزمة الاقتصادية، لأننا نعتبرها أزمة وطنية ولا يجب الوقوف عند الأسباب فقط على الرغم من أنها مهمة، إنما يجب أن نأخذ الإجراءات لنتحمل مسؤوليتنا، وهو أمر صعب بالفعل".

***

على رغم أهمية هذه الأفكار والمقترحات، يبقى السؤال الأساسي:

إذا ما تمَّ التفاهم على هذه الورقة، فما هي آلية تطبيقها؟ هل يمكن أن تمرَّ من دون ضجةٍ شعبيةٍ خصوصًا انها ستتزامنُ مع موسمِ الدخولِ إلى المدارسِ و​الجامعات​، مع ما يعني ذلك من أعباء مضاعفة على الناس؟

***

معظمُ الأفكارِ المطروحةِ تمسُّ بجيوبِ المواطنين العاديين.

ماذا عن استعادةِ الأموال المنهوبةِ على يدِ "مواطنين غير عاديين"؟

والله حرام وألف حرام.