عَلِمت صيحفة "الشرق الأوسط" من مصادر وزاريّة، أنّه "لم يُسجّل حتّى الآن حصول مداخلات من المراجع العليا تدفع في اتجاه إقناع وزير الدفاع الوطني ​الياس بو صعب​ بالعودة عن اعتكافه على توقيع البريد الإداري للجيش اللبناني، وكأنّ هناك من يراهن على أنّ تفاقم الخلاف قد يؤدّي إلى تمدّد الوزير في صلاحيّاته، بحيث لا تقتصر على حصرها في توقيع البريد الإداري العائد للمؤسسة العسكرية، بل تتمدّد في اتجاه الشأن العسكري الّذي هو من صلاحيّة قيادة الجيش".

وكشفت المصادر الوزارية أنّ "اجتماعات عدّة عُقدت بين وزير الدفاع وقائد الجيش العماد جوزف عون، في محاولة للسيطرة على الخلاف، إفساحًا في المجال أمام توقيع بو صعب على البريد الإداري"، لافتةً إلى أنّ "لا علاقة لبو صعب بالبريد العسكري الّذي هو من اختصاص قيادة الجيش".

ورأت أنّ "اعتكاف بو صعب عن التوقيع على البريد الإداري يعود إلى تأخّر قيادة الجيش في مشروع المراسيم التطبيقيّة لقانون الدفاع، تمهيدًا لرفعها إلى مجلس الوزراء وإقرارها"، مبيّنةً أنّه "يُراد من إعدادها إتاحة الفرصة لتوسيع صلاحيّات وزير الدفاع، رغم أنّها محصورة بالشق الإداري، لا العسكري، ولا يجوز له حقّ الإمرة أو التدخّل في التشكيلات الّتي تعدّها قيادة الجيش من خلال ​المجلس العسكري​ الذي يرأسه قائد الجيش، ولا يُسمح لغير أعضائه بحضور اجتماعاته الّتي تُعقد أسبوعيًّا".

وركّزت المصادر على أنّ "الإشكاليّة القائمة بين بو صعب وقيادة الجيش تكمن في أنّ وزير الدفاع يتحدّث باسمه، فيما ​مديرية التوجيه​ هي الّتي تنطق باسم ​المؤسسة العسكرية​، إضافة إلى أنّ العماد عون ينطق باسم الجيش في "أمر اليوم" في مخاطبته العسكريين في عيد تأسيس الجيش أو في مناسبات وطنيّة أخرى أو خلال تفقّده الوحدات العسكرية المنتشرة في جميع المناطق اللبنانية". وأكّدت أنّ "قانون الدفاع هو الناظم الوحيد للعلاقة بين بو صعب والجيش"، مشيرةً إلى أنّ "بعض الجهات تتعامل مع المراسيم التطبيقيّة على أنّها المعبر المؤدّي حكمًا إلى توسيع صلاحيات الوزير، مع أنّ معظم القوى السياسيّة لا تُبدي حماسة لأيّ تعديل يراد منه تقليص الصلاحيات المعطاة للجيش".

ونوّهت إلى أنّ "لديها إحساسًا بأنّ ما يعيق التفاهم بين بو صعب وقيادة الجيش يتجاوز الخلاف حول ما يُسمّى بالمراسيم التطبيقيّة، ليطال بعض المواقف الّتي تصدر من حين لآخر عن بو صعب، وتشكّل أحيانًا إحراجًا للمؤسسة العسكرية، خصوصًا أنّه لا بدّ من التمييز بين ما يصدر عنه والبيانات الّتي تصدر عن مديرية التوجيه، وهذا ما تبيّن من بعض المواقف الّتي أطلقها وتتعلّق تارةً بالمعابر الحدودية غير الشرعية، وتارةً أخرى ب​ترسيم الحدود​ البرية والبحرية". وأفادت بأنّ "لا اعتراض على حقّ وزير الدفاع في أن يُبدي وجهة نظره حيال هذه القضايا، وليس هناك ما يمنعه في هذا الخصوص، وإنّما مواقفه ليست مُلزمة بالضرورة للمؤسسة العسكرية".

في هذا السياق، توقّفت المصادر أمام ما جرى من مداولات في الاجتماع الذي عقده ​المجلس الأعلى للدفاع​، برئاسة رئيس الجمهورية ​ميشال عون​، للنظر في استيعاب حادثة الجبل، لافتةً إلى أنّ "بعض الوزراء رأى أنّه لا بد من تكليف الجيش تسيير دوريات في بعض قرى ​الشوف​ وعالية وإقامة الحواجز لملاحقة المتّهمين الّذين كانوا وراء حصولها وتوقيفهم. لكنّه كان لقيادة الجيش رأي آخر، وهذا ما عكسه العماد عون، في تركيزه على أنّ استيعاب ما ترتّب أو قد يترتّب من تداعيات على حادثة الجبل، يجب أن يبدأ بتهيئة الأجواء لاستيعابها سياسيًّا، وهذا ما حصل لاحقًا، مع أنّه جاء متأخّرًا".

وذكرت أنّ "وجهة النظر الّتي تحبّذ اعتماد الحل السياسي لاستيعاب ارتدادات حادثة الجبل كانت الرابحة، وهذا ما عكسه لقاء المصالحة والمصارحة الّذي رعاه الرئيس عون في ​قصر بعبدا​". وسألت عن "الجدوى من إصرار وزير الدفاع على التعامل مع هذه الحادثة، وكأنّها تأتي في سياق نصب الكمائن لاغتيال أحد الوزراء، وبالتالي لا بدّ من إحالتها إلى ​المجلس العدلي​، إلى أن جرى لاحقًا سحب كلّ هذه "الاتهامات" من التداول بإحالتها إلى ​القضاء العسكري​، علمًا بأنّ قيادة الجيش لم تكن طرفًا في هذا المسلسل الاتهامي، وكان لتعاطيها أثر إيجابي لدى معظم القوى السياسيّة، وأيضًا موضع تقدير لوجهة نظرها التي جنّبت إقحام الجيش في لعبة تصفية الحسابات".

لذلك رأت المصادر أنّ "الامتناع عن توقيع البريد الإداري للجيش ليس سبب الخلاف، بمقدار ما أنّ السبب يكمن في إصرار بعض الجهات على حرق المراحل، من خلال التحضير لخوض ​الانتخابات الرئاسية​، وبالتالي التصويب على العماد عون، مع أنّه لم يسبق له أن سعى للوصول إلى سدّة الرئاسة".