الهجوم القوي والصاعق بعشر طائرات مسيّرة، صنعتها ​المقاومة​ اليمنية الباسلة، على أهمّ معامل ومنشآت إنتاج وتصدير ​النفط​ والغاز، التابعة لشركة ​أرامكو​، في خريص وبقيق، في عمق المملكة السعودية، كان بمثابة الزلزال الذي زلزل الأرض من تحت ​الحكومة السعودية​، وأرعب وأقلق الدول الداعمة لها، التي تستفيد من النفط السعودي وتستولي على عائداته عبر صفقات ​السلاح​ الأميركي والغربي، التي تشغل مصانع الغرب، في حين أنّ هذه العائدات هي التي تؤمّن، لحكام السعودية، الاستمرار في تمويل حربهم الوحشية المدمّرة ضدّ اليمن وشعبه، وتوفر لهم القدرة على شراء صمت الكثير من دول ​العالم​ على جرائمهم في اليمن، ودعمهم لقوى الإرهاب، التي عاثت دماراً وتخريباً في سورية و​لبنان​ و​ليبيا​ و​العراق​ إلخ…

إنّ نجاح المقاومة اليمنية في توجيه هذه الضربة، القوية والموجعة، إنما يكرّس التحوّل النوعي في مسار الحرب، والذي بدأ مع انتقال ​اللجان الشعبية​ و​الجيش اليمني​، من الصمود، والردّ على العدوان، إلى الهجوم ونقل ساحة الحرب إلى العمق السعودي، واستهداف المنشآت والقواعد والمطارات العسكرية التي تستخدم في العدوان على اليمن، ثم ضرب محطات ومنشآت ​النفط والغاز​، التي تشكل المرتكز الأساسي ل​اقتصاد​ المملكة.. وذلك بهدف تدفيع الحكم السعودي ثمناً فادحاً جراء حربه التي دمّرت اليمن وقتلت وجرحت عشرات الآلاف وأفقرت الملايين ونشرت ​الأمراض​، وكذلك إجباره على وقف هذه الحرب وجعل استمراره فيها مكلفاً جداً له، لا بل سيقود إلى غرقه في بحر من الاستنزاف ستكون له تداعيات خطيرة على استقرار المملكة وعرش الملك سلمان ونجله وولي عهده محمد…

فالحرب من الآن وصاعداً لم تعد وبالاً على اليمنيين فقط، بل وأيضاً وبالاً على حكام مملكة ​آل سعود​ إن هم أمعنوا وأوغلوا فيها..

فاليمنيون دفعوا الثمن على مدى أكثر من أربع سنوات ولم يعد هناك من شيء يخافون على خسارته، وبالتالي فإنه مع كلّ يوم تستمرّ فيه الحرب فإنّ من سيدفع الثمن أكثر هو المملكة، لا سيما أنّ هذا الثمن سيكون كبيراً جداً بعدما أصبحت المملكة وحيدة في الحرب تتحمل كلفتها الباهظة التي تتجاوز كلفة الحرب الأميركية في العراق، فكيف إذا كانت هذه الكلفة تترافق مع هجمات صاعقة تدمّر وتحرق مرتكزات ​الاقتصاد السعودي​، وهو النفط والغاز.. الأكيد ستكون الكلفة أكبر بما لا يُقاس من كلفة حرب العراق، التي لم تتمكن ​أميركا​ من احتمالها، واضطرت إلى الانسحاب من العراق، تحت جنح الظلام عام 2011، تجنّباً لمزيد من الغرق أكثر في رمال العراق… فأميركا، ​الدولة​ الأقوى في العالم، تعرف كيف تتعامل بواقعية عندما تجد نفسها غير قادرة على تحقيق أهداف حربها، وتتكيّف مع الهزيمة، وتعرف كيف تمتنع عن شنّ حرب تدرك أنها ستكون صعبة ومكلفة جداً لها، كما هو الحال هذه الأيام مع ​الجمهورية​ الإسلامية ال​إيران​ية.. فهل يتعلم حكام المملكة السعودية من سيّدهم الأميركي، الرئيس ​دونالد ترامب​، الذي أمتنع عن ضرب إيران، وأقال كبير المُحرّضين على الحرب في إدارته، مستشاره للأمن القومي ​جون بولتون​.. ويقدمون على وقف غرقهم واحتراقهم في نار الحرب التي أشعلوها ضدّ اليمن، وأصبح الاستمرار فيها مكلفاً جداً لهم وبلا طائل.. إنه أوان الاعتراف بالهزيمة وتحديد الخسائر وعدم التمادي فيها أكثر.. وبالتالي النزول من على سلم الحرب والدخول في مسار وقف الحرب، والتسليم والإقرار بحق اليمنيّين ب​تقرير​ مصيرهم بأنفسهم، بعيداً عن الهيمنة والتبعية لكلّ من المملكة السعودية و​الولايات المتحدة الأميركية​.. لقد نجحت المقاومة اليمنية في تحقيق ما لم يتوقعه الكثيرون من الأعداء، وحتى الأصدقاء.. لم يتوقعوا منهم الصمود كلّ هذه السنوات في ظلّ الحرب المتواصلة والحصار الخانق عليهم، براً وبحراً وجواً.. وأن ينجحوا، رغم ذلك، في تطوير قدراتهم العسكرية، والانتقال إلى الهجوم، وردّ الصاع صاعين على العدوان السعودي الأميركي، الأمر الذي غيّر مسار الحرب وقلبها رأساً على عقب، وجعلها جحيماً يحرق مشعليها، وينجحون في تغيير الوقائع وفرض معادلات جديدة تسقط قوة التفوق العسكرية الأميركية السعودية، وتحطم جبروتها، وتكشف عجزها عن كشف ومنع ​الصواريخ​ والطائرات اليمنية المسيّرة من الدخول إلى العمق السعودي، وضرب المواقع والمنشآت الاقتصادية النفطية والعسكرية، الأكثر حيوية، والتي يُفترض أن تكون محمية بمنظومة من ​الرادارات​ والدفاعات الصاروخية الأميركية الحديثة التي اشترتها المملكة من واشنطن… وهذا يعني أنّ مئات المليارات التي دفعها ابن سلمان إلى الرئيس الأميركي ترامب لتوفير الحماية للمملكة، ذهبت هباءً ولم تتمكّن من حمايتها من ضربات المقاومة اليمنية.. فيما ترامب كرّر مجدّداً، رداً على الاتهامات السعودية والأميركية لإيران بالوقوف وراء الهجوم على أرامكو والمطالبة بشنّ الحرب ضدّها، كرّر عدم رغبته في خوض الحرب معها قائلاً: «الدبلوماسية لا تستنفذ أبداً عندما يتعلق الأمر بإيران… الخيار الدبلوماسي ما زال قائماً والإيرانيون يريدون عقد صفقة». وأضاف: «لم أَعد السعوديين بحمايتهم، ولكننا سنساعدهم.. ويتعيّن على السعوديين تحمّل المسؤولية الأكبر في ضمان أمنهم، ويشمل ذلك دفع المال»… أيّ أنّ ترامب وجد الفرصة مجدّداً لابتزاز المزيد من أموال السعودية… بذريعة مساعدتهم.. وكأنّ مئات المليارات التي حصل عليها ليست كافية لذلك.. هذا هو مذهب ترامب، لا يهمّه سوى أخذ المزيد من الأموال… وعندما يتعلق الأمر بالذهاب إلى حرب، خطرة ومكلفة لأميركا، لا يتردّد في رفض ذلك، والحديث عن سلوك خِيار الدبلوماسية لحلّ المشكلات مع إيران.. إنه درس جديد لمن يربط مصيره بأميركا ويراهن عليها لحمايته..

من هنا فإنّ الحكومة السعودية باتت أمام خيارين أثنين لا ثالث لهما:

إما الاستمرار في الغرق أكثر فأكثر في بحر من الاستنزاف المهلك لها قد يتسبّب بتداعيات خطيرة على السعودية، اقتصادياً وسياسياً، ويطيح باستقرارها وحكم ابن سلمان..

أو المسارعة إلى تفادي ذلك بالعمل على اتخاذ قرار جريء بوقف الحرب والتسليم بالهزيمة والتخلي عن سياسية التدخل في شؤون اليمنيّين ومحاولات منعهم من تقرير مصيرهم بأنفسهم، بعيداً عن الهيمنة والتبعية للرياض وواشنطن…