عكست زيارة مساعد وزير ​الخزانة الأميركية​ لشؤون مكافحة ​تمويل الإرهاب​ مارشال بللينغسلي ل​بيروت​ إصرار ​واشنطن​ على مواصلة اعتماد استراتيجية «الأرض المحروقة» في معركتها المالية- الاقتصادية ضد «حزب الله»، فيما يجزم الحزب بأنه ليس في وارد أن يصرخَ من الوجع، كما تراهن ​الولايات المتحدة​، لا اليوم ولا غداً ولا بعد مئة عام.

على الرغم من محاولة الزائر الأميركي التمييز في التدابير المتخذة بين «حزب الله» من جهة، والاقتصاد ال​لبنان​ي و​القطاع المصرفي​ من جهة أخرى، وصولاً الى تأكيده الحرص على استقرار لبنان، إلّا انه يبدو صعباً في الواقع التحكّم بتداعيات العقوبات التي تستهدف الحزب وبيئته، وحصر مفاعيلها ضمن حدود ضيقة.

وتوحي كل المؤشرات والتقديرات أنّ «الأضرار الجانبية» الناتجة من محاصرة «حزب الله» لن تقتصر على الدائرة الحزبية ومحيطها، بل ستشمل بشكل أو بآخر البيئات الأبعد ومجمل الدورة الاقتصادية التي لا يمكن تجزئتُها في دولة صغيرة كلبنان، الأمر الذي من شأنه أن يهدّد الاستقرار العام، خلافاً للافتراض الأميركي بأنه يمكن تحييد هذا الاستقرار عن الهجوم المالي على الحزب، خصوصاً انّ الأزمة الاقتصادية المتفاقمة تُساهم في إضعاف مستوى المناعة الداخلية.

ولئن كان بللينغسلي واضحاً في التاكيد أنّ الهدف من حملة العقوبات هو إفقار «حزب الله» كلياً ونهائياً، كي يفقد كل تأثير ونفوذ له، غير أنّ الاوساط القريبة من الحزب تبدي ثقتها التامة في أنّ هذا الهدف غير قابل للتحقق، مهما اشتدّ الضغط الأميركي، وأيّاً يكن السقف الذي يمكن أن يصل اليه.

صحيح، أنّ الأوساط إياها لا تنكر انّ العقوبات تركت تأثيراً جزئياً على البنية المالية لـ»حزب الله»، لكنها في الوقت نفسه تلفت الى انه استطاع التاقلم معها، مع العلم أنّ الأهم الذي يجب أن يعرفه الأميركيون، وفق الاوساط، هو انّ «لدى الحزب ثابتة سياسية وعقائدية غير قابلة للتزحزح وهي الصمود حتى النهاية في مواجهة العقوبات التي لن تدفعه ابداً، حتى لو فاقت قدرته على التحمّل، الى تبديل موقعه المتقدم في محور ​المقاومة​ او تغيير خياراته المتعلقة بالصراع مع العدو الإسرائيلي وقضايا المنطقة، ولذا فإنّ واشنطن تُضيع وقتها في رهان لن تربحه بتاتاً».

ويعتبر الحزب انّ الموفد الأميركي «انتهك السيادة المالية للدولة اللبنانية من خلال الإملاءات المباشرة التي حملها معه الى بيروت، تماماً كما انّ العدو الإسرائيلي ينتهك السيادة الوطنية من خلال الخروقات البرية والجوية والبحرية». وعليه، تشير الاوساط القريبة من الحزب الى انه يُدرج زيارة بللينغسلي في سياق «العدوان المالي» الموصوف.

وتبعاً لمعايير الحزب، ينبغي ان تتعامل الدولة مع مهمة الموفد الأميركي على هذا الأساس، وبالتالي فهي معنيّة، في رأيه، بوضع خطة وطنية شاملة لمواجهة الحصار الأميركي، أولاً لأنّ تداعياته المتدرّجة ستصيب تباعاً مجمل الاقتصاد وليس البيئة الشيعية فقط، وثانياً لأن مَن تستهدفهم العقوبات هم لبنانيون ومسؤولية حمايتهم تقع على عاتق السلطة في الدرجة الاولى.

ويبدو انّ هناك ارتفاعاً في منسوب الامتعاض والانزعاج لدى الحزب من طريقة مقاربة الدولة و​المصارف​ للضغوط الأميركية، ولا سيما بعد زيارة بللينغسلي الاخيرة وما عكسته من دلالات، مع استنثاء موقف الرئيس ​نبيه بري​ الذي ابلغ الى الضيف الأميركي بأنه يرفض ان يساوم على ثوابت لبنان.

وتنبّه الاوساط الى انّ التسليم ب​العقوبات الأميركية​ من دون أيّ مقاومة او معارضة لها سيشجّع واشنطن على زيادة جرعاتها وتوسيع بيكارها، مشددة على خطورة أن تُحيّد الدولة نفسها عن هذا التحدي وتتخلّى عن الحدّ الأدنى من مسؤولياتها وواجباتها حيال مواطنيها، وكأنّ العقوبات تفرض على شعب آخر.

وما يزيد استياء الحزب واستغرابه هو انّ هناك تعاميم شفوية تصل الى المصارف حول وجوب التشدد في «إجراءاتها الوقائية»، بحيث ان تلك التعاميم «تتجاوز في تعسّفها سقف الطلبات الأميركية، وبالتالي تفتح الباب امام اجتهادات تدفع ثمنها اسماء او مؤسسات لا تربطها بـ»حزب الله» أيّ صلة تنظيمية».

وفيما يواصل الحزب درس الخيارات الممكنة للتعامل مع الحصار الأميركي المتصاعد، عُلم انه يناقش الاحتمالات برويّة، لئلّا يتسبّب أيّ ردّ بأعباء او مخاطر على مزيد من اللبنانيين، سواء في الداخل او في الاغتراب.