وأخيراً قال حاكم مصرف ​لبنان​ ما كان يتحاشى ان يقوله في خصوص ​الدولار​ الأميركي وسعره مقارنة بسعر ​الليرة اللبنانية​.

ثلاثة أسطر كانت كافية لكي تستعر النيران في هشيم الأسعار. هذه الأسطر الثلاثة جاءت في تغريدة لحاكم ​مصرف لبنان​ ​رياض سلامة​ جاء فيها:

"سنُصدر تعميماً ننظم فيه تمويل ​القمح​ والدواء و​البنزين​ بالدولار الأميركي، وذلك بعد مراجعة فخامة ​رئيس الجمهورية​، ودولة رئيس ​مجلس الوزراء​، ومعالي وزير المالية والوزراء المختصين".

***

في قراءة لهذه السطور، وليس بين السطور، يتبيّن ما يلي: حديثٌ عن "تنظيم تمويل الاستيراد"، فعملية الاستيراد كانت تتم على الشكل التالي: وكلاء ​الأدوية​ أو ​المحروقات​ يفتحون اعتمادات ويستوردون على أساسها.

السؤال هنا: هل لم يعد باستطاعتهم فتح اعتمادات؟

هل ​المصارف​ لا تفتح لهم اعتمادات؟

هل رفعوا الصوت ووصل الى مسامع الرؤساء والوزراء والمسؤولين فأصبحوا أمام خيارين لا ثالث لهما: إما اعطاء الأمر بفتح الاعتمادات وإما وصول البلاد الى فقدان هذه السلع الأساسية: الدواء والقمح والمحروقات؟

***

مَن يتحمَّل المسؤولية في ما وصلنا إليه؟

هنا بيت القصيد، فليس هناك شخصٌ واحد يتحمَّل المسؤولية، المسؤولية جماعية ومشتركة:

مسؤولية السلطة التشريعية.

مسؤولية السلطة التنفيذية.

مسؤولية السلطة القضائية.

مسؤولية السلطة النقدية.

***

بعض التشريعات تحتاج الى تدقيق، فعلى سبيل المثال: حين بدأ التلاعب بسعر الدولار لدى الصيارفة، كان السؤال: مَن المسؤول عن ضبط الأسعار؟ ​مصلحة حماية المستهلك​ في ​وزارة الاقتصاد​؟ أم مصرف لبنان؟ الى اليوم لم يُعطِ أحدٌ جواباً شافياً حول هذه الإشكالية: فوزارة الاقتصاد تقول ان هذا الأمر ليس من اختصاصها، ومصرف لبنان يقول انه ليس هو مَن يضبط السوق، وفي ظل هذا التباين "فلتت" الاسعار، وباتت الحاجة ملحَّة الى تحديد الجهة التي يجب ان تتولى ضبط الاسعار.

السلطة التنفيذية مسؤولة مباشرة: من وزارة الاقتصاد الى ​وزارة العدل​، فوزارة الاقتصاد معنية بمراقبة اسعار السلع، وبما ان الدولار "سلعة" فإن وزارة الاقتصاد معنية به.

***

ومسؤولية السلطة التنفيذية تتجسد أكثر فأكثر، فلا رؤية ولا شعور مع المواطن، بل هدر ما بعده هدر وصولاً الى ميزانية 2020 التي زادت أرقامها عن 2019.

***

ماذا يُفهم من كل ما سبق؟

لقد دخلنا في عصر لم نشهده من قبل، بل شهدته دول شيوعية من كوبا الى دول ​الاتحاد السوفياتي​ سابقاً الى دولة مصر أيام ​جمال عبد الناصر​ التي كانت تدور في فلك الاتحاد السوفياتي، حيث تم "التأميم".

لبنان على العكس من ذلك كان ملاذاً سواء بالنسبة الى الرساميل أو بالنسبة الى الاقتصاد الحر أو بالنسبة الى الاستيراد الحر أو التصدير الحر، لم يكن حكام مصرف لبنان المتعاقبون يتعاطون في "تنظيم الاستيراد"، وما هذا المخرج الذي توصَّل اليه حاكم مصرف لبنان سوى محاولة لضبط البلبلة في الاسواق وعدم تفلُّت الدولار من ضوابطه.

***

وهناك أيضاً مسألة إخراج الدولار من الاسواق اللبنانية، والمقصود هنا ليس التحويلات المنتظمة عبر المصارف، بل "التهريب" الذي يتم عبر الصيارفة، وهذا التهريب انكشف من خلال حجم الكتلة النقدية بالدولار الاميركي التي يطلبها الصيارفة يومياً.

كما يجب عدم الاستهانة بوَقْع العقوبات الاميركية على لبنان، وهذه العقوبات تحول دون وصول الاموال من الخارج الى لبنان، أو على الأقل تعرقل وصولها أو تجعل الأمر صعباً.

***

لكل هذه الاسباب مجتمعةً، فإن الأزمةَ النقديةَ التي يمرُّ بها لبنان، تقع مسؤوليتها على جميعِ المسؤولين بالتكافلِ والتضامن.