كثيرة هي الأمور التي تنتهي دون أن تُعرف الكيفية، وتكاد تكون أزمة "الدولار" التي حصلت في ​لبنان​ واحدة من هذه الامور، اذ رغم التعميم الصادر عن ​مصرف لبنان​ لتنظيم آلية استيراد بعض المواد بالعملة الاجنبيّة، وإيجابياته، لا يمكن القول انه كان السبب الأساسي لانتهاء الازمة، والتي تشير كل المعطيات الى أنها ليست الاخيرة، ولكن الصورة العامة باتت واضحة.

"ليس جليّا حتى اليوم كيف بدأت الازمة وكيف انتهت أو شارفت على الانتهاء"، تقول مصادر نيابيّة مطّلعة، مشيرة الى أنّ الأسباب العامة مفهومة وهي التدخل الأجنبي والعقوبات الاقتصاديّة على ​حزب الله​ ولبنان و​المصارف​، وآخرها إقفال مصرف "الجمّال"، ولكن لا تزال هناك تفاصيل كثيرة مجهولة، حول من تواطأ ومن حرّض ومن سمح لهزّ الاستقرار النقدي في البلد.

وتضيف المصادر عبر "النشرة": "كل هذه الألغاز لا تعني أن الصورة العامة لكل ما يجري في السنوات الثلاث السابقة باتت واضحة، والبداية من الازمة الاخيرة إذ تمكّن ​رئيس الجمهورية​ العماد ​ميشال عون​ من خلال لقاءاته العديدة والمختصة بالشأن المالي أن يرسم تصورا عاما حول ما حصل وأبعاده، وخلص بنتيجته الى أنّ في الأمر مؤامرة على لبنان، عهدا وحكومة، وبالتالي شعبا، ولكن لن يحمّل الرئيس المسؤولية "للخارج" حصرا، بل تكوّنت لديه قناعة بأن هناك من تورّط في الداخل لتنفيذ مخطّط خارجي، لا يهدف لإسقاط لبنان اقتصاديًّا، بل لزعزعة استقراره النقدي"، مشيرة الى أن رئيس الجمهوريّة مصمّم على اتخاذ تدابير كفيلة بمنع تكرار ما حصل.

حروب الإشاعات

ولكن بالعودة الى أصل ما يجري، تحمّل العهد، بحسب المصادر، منذ انطلاقته الهجوم تلو الآخر، وهنا لا يُقصد بالهجوم، المعارك السياسية الشريفة التي يمكن أن تحصل، إنما حروبا ترتكز على الكذب والإشاعات لتشويهه وإضعافه لأسباب عديدة، أبرزها موقفه الثابت من المقاومة وحزب الله، وموقفه الراسخ من الازمة السوريّة والنازحين وضرورة عودتهم الى أرضهم، ورفضه القاطع ل​صفقة القرن​ الأميركية، وتوطين الفلسطينيين في لبنان، لذلك كان القرار بالهجوم عليه كونه الضامن الرسمي لعدم موافقة لبنان على ما يُطبخ له.

وتقول المصادر: "إن هذا الهجوم الدولي على العهد لأسباب ذكرناها أعلاه وجد به البعض في لبنان فرصة لتحقيق أهداف سياسية او شعبية محلية ضيّقة، فساهموا عن قصد أو عن غير قصد بالحملات التي تستهدفه، حتى وصل بهم الامر الى المطالبة بإستقالة الحكومة وهم يعلمون أن استقالتها تعني الوقوع في أزمة عميقة، لأن أي عملية تشكيل لحكومة قادمة ستكون شبه مستحيلة لأسباب يعرفها الجميع".

تسلسل الهجوم..

تشير المصادر الى أن قوّة العهد وصلابته، وعدم جدوى العقوبات المفروضة على حزب الله جعلت الأنظار متجهة الى جبهات جديدة يحاولون استهدافها، فتحولت العقوبات من سلاح بوجه الحزب، في البداية، الى سلاح بوجه لبنان، ومن هنا بدأت التهديدات بأن العقوبات ستطال شخصيات حليفة لحزب الله وشخصيات من ديانات متنوعة، وتسرّبت لوائح إسمية لمن ستطالهم العقوبات، وأسماء مصارف، وكلها امور ساهمت بتضرّر الاستقرار النقدي الذي يعاني أصلا في بلد يقوم على عجز بميزانه التجاري بالعملات الأجنبية يبلغ 17 مليار دولار.

ولم يُكتفَ بالهجوم على حزب الله، والرئاسة، والوضع الاقتصادي بل ازدادت في الفترة الأخيرة محاولة الضغط على رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ الذي يشكّل ركيزة من ركائز العهد، ليتم اتهامه تارة بالتخلي عن الصلاحيات لتثور طائفته بوجهه، وتارة بالسير خلف رغبات ​التيار الوطني الحر​ لإخراجه من التسوية الرئاسيّة، ومؤخرا عبر تقارير اعلاميّة قديمة عادت لتنفجر فيه مجددا.

هذه المرّة وبحسب المصادر فإنّ الازمة معروفة الأسباب وواضحة الأهداف، ومعلوم محرّكها، ويُتوقّع ان تزداد الضغوطات كلما بقيت الثوابت، وباتت التسوية الرئاسيّة حاجة لاستمرار عمل المؤسسات في لبنان في ظل وضع سياسي صعب تمرّ به المنطقة، ولا قدرة للبنان على تحييد نفسه عنه، بلا خسائر.