توجّه رئيس الوزراء ​العراق​ي ​عادل عبد المهدي​، إلى الشعب العراقي، قائلًا: "أتحدّث إليكم في ظرف حسّاس تمرّ به البلاد، حديث مكاشفة ووضوح وحرص لتجنّب أن ينزلق البلاد إلى الإخلال بالأمن إلى تدمير الدولة، وهو البيت الكبير الّذي يجمعنا وتقع مسؤولية حمايتها علينا جميعًا". وركّز على "أنّنا اليوم بين خياري الدولة واللادولة ونحن نريد بناء الدولة، وهذا هو الهدف الجامع الّذي يضمن حياةً حرّةً كريمةً لجميع العراقيين. نحن من هذا الشعب المضحي وإليه، ونُدرك العذابات الّتي كابدها على مدى العقود الطويلة الماضية وقد خضنا كفرد وكشعب تجارب كثيرة وأخطأنا وأصبنا، إلى أن وصلنا معنا إلى هذا النظام ​الدستور​ي الديمقراطي الّذي صوّتم عليه بأصابعكم البنفجسيّة".

ولفت في كلمته إلى "أنّنا حين تسلّمنا مسؤوليّة السلطة التنفيذيّة، سارعنا بتحطيم الأسوار الّتي تعزلنا عنكم ورفع الجدران بيننا واقتربنا من شعبنا باطمئنان تام، فلم يعد الوصول إلى مقرّ الحكومة صعبًا بل هو في طريقكم من بيوتكم لمقرّات عملكم، وجعلنا مكتبنا وسط ​بغداد​ حيث يلتقي فيه جميع العراقيين من جهات الوطن الأربع. لا تسمحوا لدعاة اليأس أن يتغلّبوا عليكم ولا تلتفتوا لدعوات العودة إلى الوراء وإلى عسكرة الدولة والمجتمع من جديد، فقد ولّت هذه الأوهام وعفى عليها الزمن ودفعنا كشعب ثمنها غالياً من دمائنا وثرواتنا ومستقبلنا".

وبيّن عبد المهدي أنّ "اليوم، لا توجد حواجز تمنع الشعب من إيصال صوته، ولسنا متسلّطين ولا نسكن في بروج عاجيّة بل نتجوّل بينكم في شوارع بغداد وبقية مناطق العراق ببساطة، وتغمرنا السعادة حينما نجد الناس تتجوّل بحريّة وبأمان بلا حواجز طائفيّة ولا نقاط تفتيش أمنيّة، وقد ألزمت نفسي قبل الوزراء والمسؤولين بالتخلّي عن المواكب الطويلة، ونحن نريد أن نخدم بإخلاص وأعمالنا اليوميّة وجولاتنا الداخليّة والخارجيّة جديّة وهدفها تحقيق تطلعاتكم في البناء والإعمار والازدهار".

وذكر "أنّنا شرعنا في البداية بإصلاحات وإجراءات اقتصاديّة وسياسيّة وخدماتيّة واجتماعيّة واسعة للمشاريع المختلفة، وتستند إلى اتفاقاتنا من أجل توفير فرص العمل ومحاربة ​الفقر​، ولدينا مشروع سنقدّمه إلى مجلس الوزراء خلال الفترة القصيرة المقبلة لمنح راتب لكلّ عائلة لا تملك دخلًا كافيًا حيث نوفّر حدًّا للدخل يضمن لكلّ عائلة عراقيّة العيش بكرامة وألّا نبقي أحدًا خلفنا أو تحت خطر الفقر، ويساهم في تحقيق العدالة الاجتماعيةّ ومعالجة الإهمال الكبير الّذي تعرّضت له أطراف المدن". وأشار إلى أنّ "كعادتنا لن نعدكم وعودًا فارغة أو نقدّم لكم حلولًا ترقيعيّة فهذا ما دفعتم ثمنه، ولن نقول ما لا نعتقد بأنّنا قادرون على تنفيذه لقد وعدناكم أن نعد فنفي وأن نفعل من ثمّ نقول".

وشدّد على أنّه "يجب علينا اليوم إعادة الحياة إلى طبيعتها في جميع المحافظات ويجب احترام سلطة القانون الّتي بموجبها يعيش الجميع بسلام. الإجراءات الأمنيّة الّتي نتّخذها بما في ذلك حظر التجوال مؤقتًا هي خيارات صعبة ولكنّها كالدواء المر لا غنى عنها، لأنّ أمنكم تضييعه أو المجازفة به ولا يمكن ترك البلاد وترك سلامتكم وأرواحكم في مهبّ الريح، وحفظ الأمن يقع في مقدّمة المصالح البلاد العليا وعلى رأس مسؤوليّتي الوطنيّة، وكذلك حماية ممتلكاتكم العامة والخاصة ومحالكم التجاريّة من التخريب والحرق الّذي بدأ يتّسع بشكل يضع علامات استفهام كبيرة على أهداف من يحاولون استغلال التظاهرات السلميّة. كما أنّ بعض الشعارات المرفوعة كشفت عن محاولات لركوبها وتسييها واختطاف وتضييع مطالبها المشروعة".

كما أكّد عبد المهدي أنّه "مطلوب منّا جهود أكبر للضرب على أيدي المفسدين والفساد. ورغم وجود خطوات في هذا الاتجاه، لكنّها لا تلبّي طموحات شعبنا أو طموحاتنا، ونحن نؤمن بسياسة توفير البدائل السكنية قبل إزالة المتجاوزين، وقد بدأنا بالفعل بتوزيع الأراضي المخدومة مجانًا على شرائح شعبنا من الطبقات المستحقّة ضمن مبادرة وطنيّة كبرى للإسكان، ورفعنا مقترحاتنا لمجلس النواب لإصلاح النظام الانتخابي بما يعزّز شفافيّته ويمنع الاحتكار أو ​المحاصصة​، كما اقترحنا وضع صناديق في انتخابات مجالس المحافظات المقبلة لإجراء التعديلات الدستوريّة الّتي يصوّت عليها مجلس النواب".

وأعلن أنّ "التصعيد في التظاهر بات يؤدّي إلى إصابات وخسائر بالأرواح وهي عزيزة وغالية علينا، وإنّنا نضع ضوابط صارمة لعدم استخدام ​العنف​ المفرط ونتقيّد بالمعايير الدوليّة لفرض النظام والأمن، بهدف تقليل الخسائر في الأرواح والممتلكات سواء بسبب الفعل أو رد الفعل". وكشف عن "أنّنا شكّلنا لجانًا تفتيشيّة وتحقيقيّة لضمان التقيّد بالإجراءات القانونيّة، وقد اتّفقنا مع مجلس القضاء لإطلاق سراح المحتجزين ممّن لم يرتكب جريمة جنائيّة. كما أنّ الدولة جادّة في اعتبار الضحايا من المتظاهرين و​الأجهزة الأمنية​ شهداء مشمولين بالقوانين السارية". وطالب مجلس النواب والقوى السياسيّة بـ"الالتزام الكامل بمنح رئيس مجلس الوزراء صلاحيّة استكمال تشكيلته الوزارية وإجراء تعديلات وزارية بعيدًا عن التدخلات المحاصصيّة".

ونوّه إلى أنّه "يؤسفنا أنّ البعض قد نجحوا في إخراج بعض التظاهرات عن مسارها السلمي، ممّا يعني فقدان الأمن والاستقرار الّذي تحقّق بتضحيات العراقيين ضدّ إرهاب تنظيم "داعش"، مؤكّدًا أنّ "صوتكم مسموع قبل أن تتظاهروا، وقد وصل إلينا جليًّا واضحًا، ومطالبكم ب​محاربة الفساد​ وتوفير فرص العمل والاهتمام بالشباب والإصلاح الشامل هي مطالب محقّة، وإنّ الهمّ الّذي تعبرون عنه هو همّنا الأوّل".

إلى ذلك، تعهّد بأن "نتابع ونلتقي ونستجيب لكلّ مطلب مشروع، ولذلك من الضروري مساعدة الحكومة على تأدية واجباتها تجاهكم والعمل يدًا بيد لتحقيق مطالبكم، وقد وضعنا في خدمة مسؤولي المظاهرات وسائل اتصال مباشر لبحث المطالب كافّة والتعاون للعمل على تحقيقها، وأقول لكم بصدق وصراحة ووضوح، حاسبونا عن كلّ ما نستطيع القيام به في الأجل المباشر وأن نتعاون في الأمور الّتي تتطلّب بعض الوقت لإنجازها".

وأفاد عبد المهدي بأنّه "لا توجد حلول سحريّة، وأنّ الحكومة لا يمكن أن تحقّق كلّ الأحلام والطموحات خلال سنة واحدة؛ تلك الأحلام الّتي لم تتحقّق منذ عقود طويلة"، موضحًا أنّ "​البطالة​ لم نصنعها و​البنى التحتية​ المتهالكة لم ندمّرها نحن، وإنّما ورثناها ووجدنا تراكمات كبيرة في كلّ مجال، وليس هذا انتقاصًا لجهد من سبقونا لكن هذا هو الواقع الذي تعرفون أسبابه وتراكماته". وذكر أنّ "الحكومات انشغلت بمجابهة مشاكل كبيرة استهدفت هذا البلد ومنها دعوات الطائفيّة والصراعات السياسيّة و​الإرهاب​، وأخَذ الإنفاق العسكري حصة كبيرة من موازناتنا واكتظّت المؤسسات ودوائر الدولة بملايين الموظّفين وبطوابير المراجعين، ممّا يعطي مؤشّرًا سلبيًّا ويعكس ضعفًا في الأداء وبيروقراطيّةً وفسادًا في التعامل مع المواطن والمال العام، وقد بدأنا بالعمل على مواجهة هذه المشاكل منذ البداية وبإجراءات عديدة وجذرية".

وأشار إلى "أنّني شخصيًّا أتحمّل مسؤوليّة قيادة الدفّة في هذه المرحلة الحسّاسة، ونعرف مكامن الضعف والقوة ونعالجها، وقد قدّمنا للمرة الأولى برنامجًا حكوميًّا بالأرقام ولم يكن إنشائيًّا لنخدع شعبنا بالكلام المعسول، واتّفق أنصارنا ومنافسونا جميعًا على تحقّق إنجاز في تنفيذه، وإن اختلفنا في النسب وبعض التفاصيل. وفي الوقت نفسه يخطئ من يظن أنّه بعيد عن المسؤوليّة والمحاسبة، فكلّنا مسؤولون أمام الله والمواطنين، ومستعدّون للتعاون مع كلّ من يريد العمل والإصلاح ومتمسكّون بالدستور، ونرى خيارنا الوحيد في إصلاح المنظومة السياسية من خلال روح الدستور ونصّه".