لفت وزير العدل ​ألبرت سرحان​، إلى أنّ "للحياة ذاكرة وبصمات على وجه الأرض، تروي لنا تاريخ الشعوب والحضارات، وتشعرنا بأنّنا جزء من مسيرة بشريّة تحوّل الأحلام والمعتقدات والأحداث إلى آثار ماديّة عظيمة، يعبر بعضها القرون والزمن ليظلّ شاهدًا لِما مضى ولما لم يمض، ويجعلنا كبشر جسمًا واحدًا، ينمو ويتحوّل بفعل تطوّر الفكر والعلم، لكنّه يظلّ مرتبطًا بكلّ التاريخ والإرث، ارتباط العضو بكامل الجسد".

وبيّن سرحان ممثّلًا رئيس الجمهورية ​ميشال عون​، خلال رعايته خلال افتتاح كلية العلوم في "​جامعة القديس يوسف​" و"المجموعة الأكاديمية للتنمية"، مؤتمر "العلوم والتكنولوجيا في خدمة الإرث في شرق ​البحر المتوسط​"، أنّ "أجيال اليوم تشعر باكتفائها بما وصلت إليه التكنولوجيا، وبانتماء كوني نتيجة حقبة العولمة الحادّة الّتي دخلت فيها المجتمعات. قد يضعف ذلك تقديرها لأهميّة الإرث الّذي وصل إليها، ولحركة التاريخ وحفره عميقًا في ذاكرة الجماعات والأفراد والأوطان. وكما أنّ البيولوجيا تحدّد مساحة كبيرة من شخصيّتنا وشكلنا وما نحن عليه، فكذلك يحدّد التاريخ وما يخلفه من آثار، إرثنا وتراثنا وهويتنا وانتماءنا".

وركّز على أنّ "التجربة قد برهنت أنّ العولمة لم تنجح في إلغاء خصوصيّات الدول والشعوب، لا بل زادت بعضها تقوقعًا خوفًا على هويّتها وفرادتها في العالم"، مؤكّدًا أنّ "واجبنا كمسؤولين يتخطّى اليوم الاهتمام بالحاجات الراهنة للمواطنين، وتأمين فرص العمل لهم، وحماية حقوقهم الماديّة والمعنويّة والصحيّة، ليصل إلى حدود الالتزام بالحفاظ على مستقبل الإنسان والأرض الّتي يعيش عليها، عبر الحفاظ على بيئة هذه الأرض بالدرجة الأولى، والإرث البشري والطبيعي الموجود عليها".

وشدّد على أنّ "علينا أوّلًا أن نعتمد خيار التوعية الشاملة على أهميّة الإرث، بدءًا من مرحلة الدراسة عبورًا بجهود مؤسسات ​القطاع العام​ و​المجتمع المدني​، وبالطبع عبر وسائل الإعلام بشقَّيها التقليدي والحديث. لكن الواجب يفرض علينا أوّلًا، الحفاظ على الإرث وتجنيبه أخطار الحروب والنهب والتدمير والتهريب، لأنّ بصمات التاريخ والشعوب الّتي تمحى عن وجه الأرض لا يمكن استرجاعها او استبدالها، فيكون تدميرها أو تشويهها خسارة لا تعوض". وأشار إلى أنّ "لتحقيق هذا الواجب، ليس هناك إلّا مسار واحد، وهو سنّ قوانين عالميّة صارمة في هذا الخصوص، وتوحيد جهود جميع الدول لتحقيق هذا الهدف عبر تعاون منفتح وشفاف على هذا المستوى".

ورأى أنّ "دراسة آثار الشعوب وتاريخها، لا يخدم الماضي بقدر ما يغني الحاضر ويرسم صورة التنوع الهائل للحضارات، الّذي هو في أساس التطور والابتكار. من هنا، سيدرس مؤتمركم الرفيع هذا ولا شك، سبل دعم الأبحاث العلمية المتخصّصة في مجال الآثار والحفاظ على الإرث الطبيعي والآثار. وأتمنى من جهتي، أن يكون وطني ​لبنان​، بما يحمله تاريخه من تقاطع لحضارات كثيرة على أرضه، في طليعة الدول التي تعطي أهمية فائقة للتوعية حول أهمية الإرث، وغناه، وتنوعه، وللمشاركة في الجهد العالمي للحفاظ عليه، خصوصا وأن منظمة اليونيسكو قد حددت الكثير من البقع الجغرافية اللبنانية والآثار، كمواقع تراثية عالمية لا يجوز المساس بها، أو تشويهها".

أمّا رئيس الجامعة البروفسور ​سليم دكاش​ اليسوعي، فحذّر من أنّ "تراثنا الطبيعي المتمثّل في البحر والحيوانات والنباتات والميراث التاريخي والفني والثقافي، مهدّد بالانقراض لأسباب متعدّدة بسبب الإرادة الإجرامية للبشر". ونوّه إلى "أنّني لا أحتاج إلى القول إنّ يد الإنسان في بلدي وخططه في بعض الأحيان لكسر الجبال ليست ضارة ومدمرة للمادة نفسها فحسب، بل للبيئة الإيكولوجية والبشرية التي المناطق المحيطة به، ويكفي زيارة منطقة لبنانية مثل عكار لإدراك كيف أن محيطا كاملا من الأرض يتكون من أشجار ​الأرز​ والعرعر والصنوبر من قمم يبلغ عمرها قرون، مهددة بالمرض والاختفاء بسبب المقالع العملاقة الذي تطحن الحجر القديم ويغرق منطقة بأكملها بمسحوق مميت".

وأشار إلى "شرور عنف الحرب والإرهاب على بعض الآثار التاريخية للإنسانية"، مفيدًا بأنّ "دور الجامعة يتمثل في نشر ثقافة الحفاظ على التراث على أساس علمي متين وتدريب الخبراء الذين تتمثل مهمتهم في دراسة الحلول الجيدة لصون التراث وتعزيزه وأهميته بالنسبة للانسانية".