في خضم ​الأزمة​ الخطيرة الحاليّة المَفتوحة على كل الإحتمالات، من المُنتظر أن تُعقد غدًا جلسة تشريعيّة في ​مجلس النواب​، وعلى جدول أعمالها مراسيم ومشاريع قوانين، أبرزها في غاية الأهميّة، مُرتبطة بقانون لمُكافحة ​الفساد​، وبآخر لمُكافحة الجرائم ​المال​يّة، وبثالث لضمان ​الشيخوخة​، إضافة إلى إقتراح قانون مُعجّل مُكرّر مُرتبط ب​العفو العام​. فهل ستعقد الجلسة أم سينجح المُتظاهرون بإغلاق الطرقات حول مجلس النواب، وبالتالي بمنع حُصولها؟ وفي حال إنعقادها، هل سيُمرّر مجلس النوّاب العفو العام المُؤجّل منذ سنوات طويلة، ومن سيَستفيد منه في هذه الحال؟.

بداية، لا بُدّ من الإشارة إلى أنّ الحديث عن قوانين لمُكافحة الفساد ولمُكافحة الجرائم الماليّة ولضمان الشيخوخة، هي مُمتازة نظريًا، لكنّها عرضة لتشكيك كبير على مُستوى قُدرة السُلطات المعنيّة على تنفيذها عمليًا، حيث أنّ الرأي العام اللبناني فقد الثقة كليًا بترجمة هذه الأقوال إلى أفعال، ما لم يلمس ذلك لمس اليد! والتشكيك في إمكان التنفيذ بلغ حدّ إعتبار الكثيرين، أنّ هذه القوانين هي بمثابة قنابل دُخانيّة لإلهاء المُحتجّين، وللسعي لإمتصاص غضبهم، بينما الهدف الفعلي هو تمرير "العفو العام" الّذي كان تعذّر على الحُكومة إقراره قبل إستقالتها، على الرغم من إنجازه من قبل اللجنة الوزارية.

والمَعلومات المُتوفّرة تُشير إلى أنّ أعدادًا كبيرة من المَحكومين والمَسجونين، وكذلك من المَطلوبين قضائيًا، سيستفيدون من "العفو" المُرتقب. وفي هذا السياق، يُمكن تعداد ما يلي:

أوّلاً: كل الأشخاص المَشمولين بجرائم مُخدّرات، من إتجار وتهريب وترويج، صارت مُشمولة بالعفو، بعد إدخال تعديلات على مشروع القانون المُعجّل المُكرّر. والحديث هنا عن نحو ثلاثين ألف شخص، مع ما يعنيه هذا الأمر من مخاطر إضافيّة على أمن المُجتمع اللبناني، في ظلّ إنعدام فرص العمل بكل المجالات ولكل الفئات في هذه المرحلة-حتى لأصحاب الخُبرات والإختصاصات وأعلى الشهادات، فماذا سيفعل هؤلاء الآلاف ليؤمّنوا قوتهم اليومي، غير ما يُتقنوه؟!.

ثانيًا: كل الأشخاص المحكومين والذين يقضون عُقوبتهم في السجون حاليًا، لكن بشكل جزئي، حيث ينصّ العفو على تخفيض عُقوبة ​الإعدام​ إلى الأشغال الشاقة لمدة 25 سنة، وعلى إستبدال عُقوبة المَحكومين بالمُؤبّد بالأشغال الشاقة لمدة 20 سنة، إضافة إلى تخفيض باقي العُقوبات الجنائيّة والجنحيّة إلى ما بين النصف والثلثين. وهذا يعني أنّ عددًا كبيرًا من المساجين سيستفيد فورًا من العفو، أو بعد فترة زمنية قصيرة، علمًا أنّ هناك حديث عن رفض بعض النوّاب إحتساب ​السنة​ السجنيّة 12 شهرًا في مسودة قانون العفو، والمُطالبة بتخفيضها إلى تسعة أشهر فقط. كما أنّ الكثير من المَوقوفين للمُحاكمة، والمَطلوبين للعدالة بخُلاصات أحكام وبمُذكّرات توقيف، يتطلّعون بدورهم إلى سُقوط المُلاحقات بحقّهم، الأمر الذي قد ينعكس إيجابًا على مسألة إكتظاظ السُجون، لكنّه في المُقابل سيُطلق مئات الأشخاص الذين على سلوكهم عشرات الأسئلة، في ظلّ وضع داخلي غير مُستقرّ إطلاقًا، بسبب المشاكل التي يمرّ بها لبنان!.

ثالثًا: بالنسبة إلى الأشخاص الذين إصطلح على تسميتهم "المَوقوفين الإسلاميّين"، فإنّ مشروع اللجنة الوزارية يُؤكّد شمولهم بالعفو ولوّ من دون تسميتهم بالإسم، مع إستثناء الذين شاركوا في قتل أو في خطف مدنيّين أو عسكريّين، أو إستخدموا أو صنعوا أو إقتنوا مواد متفجّرة، أو قاموا بتجنيد أو تدريب أو إعداد أيّ شخص للقيام بعمليّات إرهابيّة. وحدّد القانون إمكان أن يطلب المُتضرّرون "تعويضات شخصيّة" أمام ​القضاء​ المدني وليس العسكري، علمًا أنّ هذا الأمر يعني تعرّض المُتضرّرين لضُغوط كبيرة، وربما لتهديدات من ذوي المَحكومين، وسيدخلهم في متاهات وفي نزاعات قضائيّة تطول لسنوات وتزيد من مُعاناتهم المعنويّة وحتى النفسيّة. ومن المُتوقّع أن تشهد الجلسة التشريعيّة عمليّة شدّ حبال، بشأن بُنود و​تفاصيل​ هذا الجزء من العفو العام، لأنّ بعض العبارات مطّاطة وتحمل أكثر من تفسير وتأويل، لأنّه من غير الواضح تمامًا من سيخرج من "الإسلاميّين" من السجن، ومن لن يخرج منه، علمًا أنّ "تيّار المُستقبل" ومعه بعض القوى الأخرى يضغطون لعدم حُصول إستثناءات كبيرة في ملف "الإسلاميّين"، وإلا سيُصوّتون ضُدّ قانون العفو بكامله.

في الخُلاصة، من حقّ الرأي العام أن يسأل كيف يُمكن توقّع أن تتمّ مُحاكمة فاسد هنا، ومُرتشٍ هناك، وسارق للمال هنالك، إلخ. كما يأمل ​الشعب اللبناني​ برمّته، في الوقت الذي يتمّ فيه منح المُجرمين المَسجونين "حُسومات" و"تنزيلات" إضافيّة، ومنح الكثير من المَحكومين والمَطلوبين إعفاءات عمّا إرتكبوه؟! ومن يضمن ألّا يتمّ خلال الجلسة التشريعيّة الثلاثاء تعديل مسوّدة القانون خلال مُناقشات إقرارها في الهيئة العامة للمجلس النيابي، بشكل يؤمّن خروج المزيد من المُجرمين وإعفاء المزيد من المَطلوبين، ونجاة سارقي المال العام من المُحاسبة المَنشودة؟!.