صحيح أنّ آمال الكثير من المُتظاهرين والمُحتجّين كبيرة، لجهة إخراج كل السياسيّين وكل مُمثّلي الأحزاب من الحُكم، لكنّ الواقع الذي يُرتقب أن يتبلور قريبًا هو شيء آخر تمامًا! فمسألة تشكيل حكومة مُستقلّة كليًا، وخالية من أي وجود سياسي أو حزبي، أكان مباشرًا أم غير مُباشر، سقطت كليًا، والسبب أنّ كلاً من "التيّار الوطني الحُرّ" و"​الثنائي الشيعي​" إضافة إلى مُختلف القوى اللبنانيّة التي تدور في فلك تأثير "​حزب الله​"(1)، يرفضون هذا الأمر، ويعتبرونه مُحاولة لإلغاء نتائج ​الإنتخابات النيابية​ التي حصلت العام 2018 الماضي، ومُحاولة لتنفيذ إملاءات أميركيّة تقضي بإخراج "حزب الله" من السُلطة، وبالتالي بإضعاف محور "المُقاومة والمُمانعة" ضُمن خطة أميركية-خليجيّة مُمنهجة.

من هنا، إنّ الإتصالات التي لا تزال قائمة حاليًا، والتي قطعت شوطًا مُهمًّا ليل أمس، ليست لتحديد ما إذا كانت الحُكومة ستكون "تكنو سياسيّة" أم تكنوقراط بالكامل–كما يظنّ البعض، بل لتحديد حجم ونوعيّة التمثيل السياسي في ​الحكومة​ المُصنّفة "تكنو سياسيّة" المُرتقبة، وتاليًا لتحديد إسم رئيسها أيضًا، باعتبار أنّ رئيس حكومة ​تصريف الأعمال​، ​سعد الحريري​، يتجه إلى رفض المُشاركة بحكومة سياسيّة، ولوّ أنّه سيتمّ إختيارالوزراء فيها من خارج الوجوه الوزارية والنيابيّة التقليديّة المَعروفة. وإتصالات ​الساعات​ الماضية تركّزت على تأمين الغطاء المَعنوي من جانب رئيس الحُكومة المُستقيل للشخصيّة التي سيتمّ تكليفها من قبل أغلبيّة نيابيّة بناء على إتفاق مُسبق، لتجنّب أي مُحاولة إستغلال لاحقة باعتبار أنّ "تيّار المُستقبل" هو صاحب الأغلبيّة الشعبيّة ضُمن ​البيئة​ السنيّة، ويجب عليه أن يكون موافقًا على إسم رئيس الحُكومة.

إشارة إلى أنّه قبل تسريب الخبر بشأن التوافق الرباعي بين كل من "المُستقبل" و"التيّار" و"الثنائي الشيعي"، على تكليف الوزير السابق ​محمد الصفدي​ مهمّة تشكيل الحُكومة، تردّدت تحذيرات عن إتجاه تحالف "التيّار الوطني الحُرّ"–"حزب الله"، إلى خيار حُكومة اللون الواحد، لجهة إبعاد كلّ من "تيّار المُستقبل" وحزب "​القوات​ اللبنانيّة" والحزب "التقدّمي الإشتراكي" دفعة واحدة عن الحُكومة المُقبلة، مع ما يعنيه هذا الخيار–في حال إعتماده،من خروج عن "التسوية الرئاسيّة" برمّتها(2).

لكنّ المُحاولات السياسيّة القائمة حاليًا، أخذت منحى آخر يتمثّل في الحديث عن التوافق مع الحريري على إسم لرئيس الوزراء، ولوّ أنّ التشكيك لا يزال سيّد الموقف حتى اللحظة، حيث هناك من يعتبر أنّ تسريب إسم الوزير الصفدي أو سواه يهدف إلى حرقه مُسبقًا وإخراجه من حلبة المُنافسة! وهناك من يعتبر أنّ رئيس الحكومة المُستقيل يُناور عبر الإيحاء بالمُوافقة على إسم بديل عنه لرئاسة حُكومة تكنو سياسيّة، لدفع المُحتجّين في الشارع إلى رفض هذا الخيار، بحيث يُمهّد الطريق لتعزيز شروطه، وربّما لعودة بورصة الأسماء نحوه من جديد وبشروطه!.

في كل الأحوال، الأكيد أنّ إختيار مُمثّلين عن الناس الغاضبة–بغضّ النظر عن التسمية، أي أكانوا من "الحراك" أو من "الثوّار"، إلى جانب مجموعة من الوجوه ​الجديدة​ المُتخصّصة في مجال عملها والتي تحظى بسمعة مرموقة، لن يكون على حساب سحب الغطاء السياسي المُقنّع للحكومة المُقبلة. بمعنى آخر، إنّ "التيّار" و"الثنائي الشيعي" وقوى سياسيّة أخرى، وربما منها "تيّار المُستقبل"، سيتمثّلون في الحُكومة المُقبلة، عن طريق شخصيّات شبابيّة وغير إستفزازية ومتخصّصة في مجال عملها، ظاهرها "تكنوقراط"، لكنّ تسميتها ستتمّ من قبل هذه القوى. وبعيدًا عن خيار إستبعاد بعض القوى السياسيّة الرئيسة، مثل "القوات" أو "الإشتراكي" أو غيرهما، وبغضّ النظر عن التوازنات السياسيّة الجديدة التي ستنشأ على مُستوى السُلطة التنفيذيّة، من غير المَعروف بعد حجم تقبّل المُحتجّين في الشوارع (من غير الحزبيّين طبعًا) لأي حكومة تكنو سياسيّة تضمّ في صُفوفها بعض الوجوه المُستقلّة المَحسوبة على "الثوّار"، إلى جانب وزراء محسوبين على أحزاب وتيّارات سياسيّة، ولوّ هم من الشخصيّات غير التقليديّة.

في الخُلاصة، الساعات القليلة المُقبلة حاسمة لمعرفة وجهة الأمور، لجهة مدى جدّية ما طُرح من مخرج حُكومي للأزمة الحالية، ولجهة معرفة حجم الغطاء الذي يوفّره رئيس "تيّار المُستقبل" لهذا المخرج، والأهم لمعرفة مدى تقبّل الشارع للحلّ المطروح، وكذلك مدى قُدرته على الإعتراض عليه في حال رفضه!

(1) يملكون مُجتمعين أغلبية عدديّة في ​مجلس النواب​ تبلغ نحو 70 نائبًا.