مع انسداد شرايين التكليف والتأليف واستمرار ​الحراك الشعبي​ ولو بوتيرة متفاوتة، يرتفع شيئاً فشيئاً منسوب المداخلات الدولية في الازمة الحالية، من الحضور الفرنسي الى شهادة ​جيفري فيلتمان​ أمام ​الكونغرس الاميركي​، مروراً بالمواقف التي تصدر عن ​الامم المتحدة​ والاجتماعات التي يعقدها ممثل أمينها العام في ​بيروت​ مع أطراف الازمة لحضّهم على معالجتها.

صحيح أنّ ​لبنان​ لم يعد يشغل مركزاً متقدماً على لائحة أولويات العواصم الدولية والاقليمية، سوى من زاوية الضغط على «حزب الله»، إلا أنّ أزمته المستجدة باتت تستدعي «الذبذبات الخارجية»، في وقت بَدا واضحاً انّ القوى الداخلية لم تلتقط فرصة انشغال الآخرين عنه لاستعادة الأهلية والثقة المفقودتين، بل هي تصرّ على ان تثبت، مرة تلو الاخرى، أنها قاصرة عن تحمّل مسؤولياتها ولا تستطيع ان تبتكر وحدها الحلول الملائمة في الوقت المناسب، ما يترك في أحيان كثيرة مساحة من الفراغ وانعدام الوزن، تسمح لصاحب أي أجندة خارجية بالاستثمار في المآزق اللبنانية المتناسلة، لخدمة مصالحه.

وعلى وقع المأزق الحكومي المستمر، يعتبر مصدر ديبلوماسي واسع الاطلاع في بيروت انه من الضروري مباشرة إجراء ​الاستشارات النيابية​ الملزمة لتسمية رئيس مكلف فوراً، لأنّ كلفة التأخير باهظة.

ويضيف المصدر القريب من احدى الدوائر الدولية البارزة: نعتقد انّ ​الرئيس ميشال عون​ يجب ان لا يتحمل مسؤولية او عبء ​تشكيل الحكومة​ المقبلة، والأفضل ان يدعو الى استشارات، كما يلحظ الدستور، ثم يتولى الرئيس المكلف مهمة تشكيل الحكومة ​الجديدة​، وبإمكان الفريق السياسي الداعم ل​رئاسة الجمهورية​ ان يضغط عبر وسائله السياسية وتكتله النيابي، على من ستتمّ تسميته، لدفعه الى حكومة تتناسب وما يريده هذا الفريق والرئيس عون.

ويشير المصدر الى انه ليس مهماً ان تكون الحكومة المقبلة تكنو- سياسية او تكنوقراط صافية أو غير ذلك، إذ إنّ هذه التفاصيل متروكة للبنانيين كي يتوافقوا عليها، مشدداً على انّ المهم بالنسبة الى ​المجتمع الدولي​ ولادة حكومة تلبّي طموحات الناس ولا تضم أسماء استفزازية، وذلك في أقصر وقت ممكن، حتى تباشر تنفيذ الاصلاحات المطلوبة وإنقاذ ​الوضع الاقتصادي​.

ويتابع المصدر: نعلم انطلاقاً من الاعتبارات الدستورية انه لا يمكن تجاوز أدوار القوى السياسية لأنها موجودة في ​مجلس النواب​، وهي التي ستمنح الحكومة المقبلة الثقة او تحجبها عنها في نهاية المطاف. ولذلك، أي حكومة ينبغي أن تكون مقبولة من تلك القوى والحراك على حد سواء.

ويعتبر المصدر الديبلوماسي انّ مصير الحكومة يجب ان لا يتوقف على أي شخص، «والمزعج أنّ جانباً أساسياً من التعقيدات الحالية يرتبط بحسابات شخصية، في حين انّ لبنان يترنّح على حافة الهاوية».

ويؤكد أنّ أي تغيير في ​السلطة​ والنظام يجب ان يتم في ​المؤسسات الدستورية​ وليس في الشارع، وذلك تجنّباً لمخاطر الفوضى والفراغ، خصوصاً انّ لبنان يستضيف أعداداً كبيرة من ​النازحين​. وبالتالي، فإنّ أي سيناريو دراماتيكي سيهدّد بفقدان السيطرة على هذا الملف، مع ما يعنيه ذلك من تداعيات تتجاوز حدود لبنان الى الدول التي يمكن ان يتدفق اليها ​النازحون السوريون​، وكذلك الهاربون ​اللبنانيون​ من واقع الفوضى.

ويدعو المصدر الديبلوماسي الى التخفيف من التأثر بنظرية المؤامرة، لافتاً الى أنّ جزءاً واسعاً من المجتمع الدولي يعرف أنّ «حزب الله» يمثل في نهاية المطاف شريحة من اللبنانيين، وله حضور في مجلس النواب، وليس من السهل تجاهله. وبالتالي، فإنّ قضية الحزب أكثر تعقيداً من مسألة وجوده في الحكومة أو غيابه عنها، وتقديراتنا انّ ​الولايات المتحدة​ ستواصل محاصرته والتضييق عليه بمعزل عما إذا كان له وزراء او لا، وكذلك ستستمر في الضغط على اي حكومة مقبلة، سواء تمثّل فيها الحزب ام لا، لدفعها الى اتخاذ قرارات واعتماد سياسات مخالفة له.

ويرى المصدر الديبلوماسي أنّ عودة الرئيس ​سعد الحريري​ الى ​رئاسة الحكومة​ المقبلة هي الخيار الأفضل لاعتبارين: الاول، انّ الرجل هو الأوسع تمثيلاً لطائفته ووجوده في السلطة الى جانب شركائه الآخرين يسمح بتعزيز الاستقرار الداخلي. والثاني انّ المجتمع الدولي يرتاح للتعامل معه، وهناك مساحة واسعة للتعاون المشترك استناداً الى العلاقة الوثيقة التي تربط الحريري بالعواصم الدولية ودوره الأساسي في ​مؤتمر​ «سيدر».

كذلك، يلفت المصدر الى انّ الحريري هو جزء من التوازن مع رئيسي الجمهورية ومجلس النواب، وعودته من عدمها لا ينبغي ان تكون مرتبطة بوضع أي من الوزراء في حكومته.