لم يكن إنفلات الشارع، فجر الاثنين الماضي، مشهداً عفوياً بكل ما تعنيه الكلمة، نظراً إلى أنه كان من المتوقّع مع تسلسل الأحداث في الساعات السابقة لهذا الحدث، الأمر الذي كان من المفترض التوقف عنده، خصوصاً أن المسؤولية تتوزع على 3 جهات أساسية، باتت جزءاً أساسياً من المشهد العام في البلاد.

من ناحية أخرى، ما حصل لا يمكن أن ينفصل عن المفاوضات التي كانت قائمة على المستوى السياسي، بعيداً عن الأضواء، حيث كان يبرز اسماً جديداً بين المرشحين لدخول السراي الحكومي، قبل أن يقرر فريقاً أساسياً قلب الطاولة من جديد.

في هذا السياق، تكشف مصادر مطلعة، عبر "النشرة"، أن التعامل مع التطورات الأمنية يفترض أن ينطلق من تلك السياسية، حيث كانت الأجواء توحي بإحتمال الإنفراج الحكومي، على قاعدة الإتفاق على اسم الوزير السابق ​بهيج طبارة​ لرئاسة الحكومة، بموافقة رئيس حكومة تصريف الأعمال ​سعد الحريري​ والأكثرية النيابية، أي "حزب الله" و"​التيار الوطني الحر​" و"​حركة أمل​"، على أن تكون الصيغة "تكنو سياسية".

وتشير هذه المصادر إلى أن الاسم كان في طريقه إلى أن يسلك المسار الطبيعي، أي تحديد رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ موعداً للإستشارات النيابية الملزمة، يصار على اثرها إلى تسمية احدى الشخصيّات، على أن تتولى عمليّة التأليف خلال أيام قليلة، وكان من المقرر أن يشارك تيار "المستقبل" في الحكومة، إلى جانب القوى التي تمثل الأكثرية النيابية، بعد تأمين الغطاء الأوروبي اللازم، لكن في ساعات ما بعد ظهر السبت عاد "المستقبل" إلى استخدام ورقة الشارع من جديد.

على هذا الصعيد، تلفت المصادر نفسها إلى أن مجموعات من الحراك، تدور في فلك التيار، عمدت إلى توزيع دعوات إلى الإضراب العام و​قطع الطرق​ات يوم الاثنين، في إشارة إلى رغبة من التيار في قلب المعطيات الحكومية الجديدة أو تعديلها، الأمر الذي أثار الكثير من علامات الإستفهام حوله، خصوصاً أنه يأتي قبل ساعات من إنعقاد جلسة ​مجلس الأمن الدولي​، المخصصىة لبحث التقرير المتعلق بالقرار 1701، والتي كان من المقرر أن تناقش الأوضاع على الساحة اللبنانية.

في تلك الساعات، توضح المصادر المطلعة، عن وجود نقاش كبير داخل القوى المؤثرة في الحراك الشعبي، حول الموقف من تلك الدعوات التي لم تصدر عنها، لم ينجح في الوصول إلى أيّ قرار حول تبنيها أو رفضها، في حين كانت بعض المجموعات التي تتحرك في الشارع تستبق يوم الاثنين لتنفيذ قرار قطع الطرقات، الأمر الذي أدّى إلى حصول توتّر كبير عند نقطة ​جسر الرينغ​، بعد وقوع إشكال مع أحد المارة وزّع على اثره شريط فيديو يظهر أحد الأشخاص يشتم أمين عام "حزب الله" ​السيد حسن نصرالله​.

على اثر ذلك، كان من المتوقع حصول ردّة فعل في الشارع، من قبل أنصار الحزب و"حركة أمل"، إلا أن المستغرب، بحسب ما تؤكد المصادر نفسها، هو عدم تدخل القوى المؤثرة في الحراك لحسم الجدل السابق، حول تبني الدعوات إلى قطع الطرقات من عدمه، بالرغم من أن بعضها قرر الإنتقال، عند وقوع الصدام، إلى جسر الرينغ للعمل على تهدئة الأوضاع، لكن من دون أن ينجح في ذلك نظراً إلى سيطرة الشعارات السياسية على الموقف.

في الإطار نفسه، كان هناك سؤال يطرح بقوّة مع ارتفاع التوتّر في الشارع، الذي كان ينقل مباشرة على الهواء من قبل وسائل الإعلام، حول عدم مسارعة القوى الأمنيّة إلى حسم الموقف بشكل أسرع، خصوصاً أنها نجحت في ذلك عندما أخذت القرار المناسب، لكن بالتزامن حصل حادث مأسوي في منطقة برجا، أدى سقوط ضحيتين لا علاقة لهما بكل ما يجري في المشهدين السياسي والأمني.

خلال ساعات يوم الاثنين الأولى، كانت الأنظار تتجه إلى المجوعات المؤثرة في الحراك الشعبي، التي كان عليها العودة من جديد إلى حسم موقفها مما يحصل على أرض الواقع، لكنها عملياً لم تخرج من حالة الإرباك التي كانت تسيطر عليها في الساعات السابقة لوقوع الحادثة المؤسفة، حيث عمدت إلى نفي علاقتها بعمليات قطع الطرق بشكل خجول، داعية إلى التروّي والتحقيق في الحادثة، من دون الذهاب إلى موقف حاسم كان مطلوب منها في تلك الأثناء، يقضي بالدعوة إلى التضامن مع ذوي الضحيتين ورفض أي دعوة لقطع الطرقات.

في ظل هذه الأجواء، تؤكد المصادر نفسها ان الأجواء على المستوى الحكومي كانت تتلبد، وكان هناك قناعة تكبر لدى الأكثرية النيابية بأن الحريري كرر سيناريو إسقاط ورقة الوزير السابق ​محمد الصفدي​، ما دفعها إلى توجيه رسالة حاسمة، بأن الوقت لم يعد لمصلحته وبالتالي هي تتجه لحسم موقفها، بموافقته أو من دونها، بالتزامن مع أخرى مفادها أن شارعها أيضاً من الممكن أن يخرج عن السيطرة، ما يعني أن "المستقبل" ليس وحده القادر على إستخدام هذه الورقة في السياسة.

في المحصّلة، المعادلة اليوم باتت واضحة، تتعلق بالعودة إلى إستخدام الشارع كصندوق بريد بين القوى السياسية، مقابل عجز مجموعات الحراك الشعبي عن بلورة إطار يحميها ويعبّر عنها، وهو ما يستنزف، في كل يوم، من رصيدها، بعد أن كان يعتبر أن هذا الإطار هو الذي سيقود إلى الخسارة، خصوصاً أن بعضها بات يدرك جيداً أنه لن يكون قادراً على إسقاط أي تسوية سياسية يتوافق عليها جميع الأفرقاء السياسيين.