لا يمكن فصل الواقع ال​لبنان​ي عن محيطه، فلبنان ليس جزيرةَ بالبحر، محاطاً ب​المياه​، والجلوس في الأعلى يتيح للمراقب، رؤية ما يحدث في أي بقعةِ جغرافيةٍ، يراقب ما يجري فيها من أحداثٍ وتطوراتٍ، أي بمعنىٍ، لا يمكن فهم حقيقة أبعاد ما يجري على الساحة اللبنانية، من دون متابعة المتغيرات على المستوى الإقليمي، فعليه، يبدو أن الأمور تتجه في المنطقة الى خفض التصعيد، خصوصاً في ضوء التقارب الإماراتي- السوري، سيما وأن دولة ​الإمارات العربية المتحدة​، أضحت راهناً الأقوى نفوذاً في ​دول الخليج​، والأكثر تأثيراً في إدارة الحراك في الشارع اللبناني، بحسب تأكيد مرجع سياسي. ويعتبر ألا تضارب في المواقف والسلوك الإماراتي في المنطقة، تحديداً بين الموقف الأخير للقائم بالأعمال ​الامارات​ي في دمشق، المؤيد لاستقرار سورية، والاشادة برئيسها ​بشار الأسد​، في الأيام القليلة الفائتة، وبين دعم الأولى للحراك في لبنان، من خلال بعض ​رجال الأعمال​، الذين يدورون في ​الفلك​ الاماراتي، بحسب المعلومات المتاحة، على حد تعبير المرجع.

ويلفت الى أن الهدف من وراء تقديم هذا الدعم، هو تثبيت حضور هذه ​الدولة​ في الملف اللبناني، بعد تراجع الدور السعودي فيه مؤخراً، وليس بالضرورة استهداف ​سلاح المقاومة​، حليفة دمشق، من خلال محاولة تأليب الرأي العام اللبناني ضد ​حزب الله​، خصوصاً في ضوء النهج الانفتاحي الذي تسلكه الامارات في المنطقة، الذي بدا جلياً، بعد الموقف الأخير تجاه الأسد، وقبلها تعليق مشاركتها في العدوان على ​اليمن​، ودائما بحسب المرجع. وما يرفع أيضاً من منسوب التفاؤل، هو التقارب السعودي – القطري، كذلك الموقف الأخير لوزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية ​عادل الجبير​، "إن مستقبل اليمن سيشمل كل اليمنيين بما فيهم ​الحوثيين​"، أضف الى ذلك تخفيض 40 بالمئة من عدد جنود الاحتلال الأميركي في سورية، والاحتفاظ بعدد من الجنود، عند آبار ​النفط​ في الشرق السوري. وهنا يعتبر المرجع أن جل ما يسعى اليه الأميركي في المنطقة، هو السيطرة على منابع ​الطاقة​، لذلك تسلل الى الحراك اللبناني، وسعى عبر وكلائه الى المطالبة ب​حكومة تكنوقراط​، خلال المهلة التي سيتم فيها ​التنقيب​ عن ​الغاز​ اللبناني في المتوسط، علّه بذلك يعرقل ​ترسيم الحدود​ البحرية مع العدو الإسرائيلي، الذي لايزال يمعن في الاعتداء على السيادة اللبنانية، وسرقة الموارد اللبنانية، ويحاول الأميركي أيضاً وضع يده على الغاز اللبناني، عبر شركاته النفطية، وفقاً لمعلومات المرجع، كذلك يرى أن إقدام الأميركي على الإسهام في تسخين الساحة اللبنانية، يأتي في السياق المعتاد للحملات الإنتخابية الرئاسية الأميركية، خصوصاً أنها محاولة لتأليب اللبنانيين ضد حزب الله، كما ورد آنفاً.

ولكن في الوقت عينه، يعتبر المرجع أن هذا التسخين، لن يبلغ حدود الإنفجار الشامل، لا الأمني ولا الاقتصادي، ولا مصلحة غربية في ذلك، لأسباب عدة: أولها، أن إنهيار الدولة اذا حدث، سيقوي حزب الله الجاهز للتعامل مع ​الأزمة​ الاقتصادية و​المال​ية الراهنة، بينما"الإسرائيلي" غير قادر على شن عدوان على لبنان، وتحمل عواقبه في الظروف الراهنة.

ثانياَ- لايزال لبنان البقعة الجغرافية التي تحتضن الأقليات في هذا الشرق، بالتالي فهو يحظى بحامية غربية، تحديداً أوروبية، فلن تقبل الدول الأوروبية، بتغيير تركبيته الديموغرافية، وتمزيط واقعه الاجتماعي، على الأقل قي المدى المنظور.

ثالثاً- يستقبل لبنان على أراضيه مئات آلاف ​النازحين السوريين​، بالتالي حدوث أي إنهيار إقتصادي أو أمني شامل في لبنان، قد يدفع النازحين الى ​الهجرة​ الى ​أوروبا​، التي ستسهم دولها في عدم وصول الواقع اللبناني، الى هذا الدرك، ودائماً برأي المرجع.

وفي الشأن الحكومي، يرجج المرجع ولادة حكومة في وقتٍ قريب، مادام هناك موافقة إقليمية على هذا التوجه، وهناك ثلاثة أسماء مرشحة جدياً ل​تشكيل الحكومة​ المرجوة، ​سعد الحريري​، قؤاد مخزومي، و​سمير الخطيب​، فالأخير يشكل تقاطعاً إماراتيا- سورياً – مصرياً، والثاني يحظى بقبول إقليمي، وغربي، تحديداً ​بريطانيا​، والأول يرأس الكتلة النيابية السنية الأكبر، ويحظى بتأييد المزاج السني العام في لبنان، ويشكل بعداً سعودياً فيه حتى ​الساعة​. ويؤكد المرجع أن الحريري يحاول العودة الى ​السلطة​، وركب موجة ​الاحتجاجات​ في آن معاً، في سبيل تعزيز موقعه التفاوضي للعودة الى السرايا الكبيرة، لأنه يدرك تماماً أن خروجه منها، لايضمن عودته إليها على الاطلاق، لذا يستغل بعض التحركات الشعبية، لاسيما في المناطق السنية، لتعزيز موقعه التفاوضي. والأكثر من ذلك لدى الرئيس المستقيل خشية، من احتمال سجن بعض أعضاء فريقه السياسي والحكومي، بتهم إهدار المال العام، كما كاد يحدث في العام 1999، في عهد الرئيس العماد ​إميل لحود​، لذلك سيعمل كل ما بوسعه لعدم الخروج من السلطة.

في المحصلة، يخلص المرجع الى أنه رغم الضبابية المهيمنة على المشهد الحكومي، وعلى ​الوضع الاقتصادي​، يبقى منسوب التفاؤل بإمكان ولادة حكومة جديدة قائماً، ومعه حدوث إنفراجات على المستوى الاقتصادي.