لم يكن التوافق على إنتخاب مفتي ​الجمهورية​ الشيخ محمد دريان بعيداً عن تسوية محلية وإقليمية، لعب رئيس حزب "الإتحاد" النائب ​عبد الرحيم مراد​ دوراً أساسياً فيها، بعد أن كان الإنقسام حول المفتي السابق ​محمد رشيد قباني​ وصل إلى نقطة اللاعودة، بسبب خلاف مع تيار "المستقبل"، خصوصاً رئيس الحكومة السابق ​فؤاد السنيورة​، مع إقتراب موعد إنتهاء ولايته، في حين كان من أبرز الداعمين لهذا التيار في الفترة السابقة لهذا الخلاف.

منذ ذلك الوقت، حرصت جميع القوى والشخصيات السياسية السنية على إرسال مجموعة من الرسائل الإيجابية إلى مفتي الجمهورية، آملة أن يكون على مسافة واحدة من الجميع، كي لا يعود الإنقسام إلى الواجهة من جديد، إلا أن "تحيّز" دريان إلى تيار "المستقبل" ظهر سريعاً، لا سيما خلال مرحلة التفاوض على تشكيل حكومة العهد الأولى، والتي عُرفت بحكومة "إلى العمل"، بعد أن عرقلت ولادتها نتيجة الخلاف على تمثيل أعضاء "​اللقاء التشاوري​"، أي النواب السنّة الذين لا يدورون في فلك "المستقبل".

اليوم، عاد هذا الإنقسام إلى الواجهة من جديد، في ظل الخلاف حول ​رئاسة الحكومة​ المقبلة، خصوصاً بعد أن ذهب دريان بعيداً في إعلان تأييده عودة الحريري إلى رئاسة الحكومة، نتيجة مشاورات أعلن المرشح السابق لرئاسة الحكومة ​سمير الخطيب​ أن ​دار الفتوى​ قامت بها، في حين نفى أعضاء "اللقاء التشاوري" حصول أيّ تواصل معهم من قبل الدار، الأمر الذي تطرح حوله علامات إستفهام من قبلهم!.

مع بداية ​الحراك الشعبي​ أعلن النائب ​فيصل كرامي​ تعليق مشاركته في "اللقاء التشاوري" بعد رفض وزيره ​حسن مراد​ الاستقالة من الحكومة، فقيل الكثير عن انهيار هذا الحلف "السنّي" المعارض لتيار "المستقبل"، ولكن بعد احداث دار الفتوى وتنصيب ​سعد الحريري​ ممثلا وحيدا عن "السنّة" عاد نواب "التشاوري" للتقارب، وساهم الهجوم على منزل كرامي في ​طرابلس​ في هذه العودة، وبالتالي يمكن القول أن إحياء اللقاء لم تكن من قبل حلفائه بل من قبل دار الفتوى نفسها.

وتشير مصادر في "اللقاء التشاوري" الى أن كلام المفتي لا يعبّر عن حقيقة موقف الطائفة، واذا قال أنه أجرى مشاورات مع ممثليها فيبدو أنه استنثى عددا من النواب على اعتبار أنهم من خارج الرأي السياسي للدار لا الانتماء الديني، وبالتالي قام المفتي بربط "السنّة" بشخص الحريري، مشيرة الى أن هذا الفعل يجافي الواقع الذي يقول بأن النواب السنّة الأكثر تمثيلا هم المعارضين للحريري نفسه.

وتضيف المصادر: "منذ انتخاب المفتي دريان شددنا على ضرورة بقاء هذا الموقع خارج الاصطفافات السياسية، وضرورة أن يكون الجامع للمختلفين، لأن هذا الامر من شأنه إبقاء الخلافات تحت عباءة المفتي، ولكنه اليوم أعلن صراحة أن دار الفتوى تخصّ تيار "المستقبل" وقرارها بيد سعد الحريري، بالتالي سيُتّهم من يعارض الحريري بأنه ضد ​الطائفة السنية​".

ترى المصادر أن الطائفة السنّية باتت الطائفة الأولى التي تُعلن جهارة معارضتها ل​اتفاق الطائف​، فتسمية رئيس الحكومة من قبل المفتي يلغي عمل النواب و​الدستور​ و​الاستشارات النيابية​، مشيرة الى أن أحدا من الشخصيات السنّية لن تقبل بتشكيل حكومة حاليا بظل الوضع الطائفي، خصوصا وأنّ المواجهات بين تيار "المستقبل" ومعارضيه أخذت منحى جديدا في ​الساعات​ الماضية وما حصل أمام منزل فيصل كرامي سيتكرر، فقط لأنّ الحريري بات الحاكم بأمر الطائفة بتفويض من مفتي الجمهورية اللبنانية.

بعد إعلان دار الفتوى دعمها للحريري، ماذا لو خرجت المرجعيّات الدينية الأخرى لتعلن عن خطوطها الحمراء سياسيا؟!.