اشار البطريرك الماروني مار بشارة بطرس ​الراعي​ الى انه "لو وقف كلُّ مسؤولٍ سياسيٍّ عندنا أمام الله والتمسَ نورَه لِفَهمِ دوره في تصميمه الخلاصيّ، لكان تصرَّفّ ويتصرَّف خلافًا للنَّمط الذي يسير عليه. لو استلهم السِّياسيُّون إرادة الله بالصَّلاة والتمسوا أنواره الهادية، لما وصل ​لبنان​ إلى هذه الحالة البائسة باقتصاده وماليَّته وشللِ مؤسَّساته، ولما تمَّ تجويع الشَّعب وتحقيرُه ورميُ أكثر من ثلثه تحت مستوى ​الفقر​، وحوالي نصفه في حالة ​البطالة​، ولما أقفلَتْ مؤسَّسات وسُرِّح موظَّفون وتفاقمت ​الأزمة​ الإجتماعيَّة".

واعتبر الراعي في عظة الاحد في ​بكركي​، انه "لو أصغى السِّياسيُّون إلى صوت الله في ضمائرهم، لما استباحوا مال الدَّولة وتقاسموه حصصًا عبر الحصص الوزاريَّة وفقًا لتكتُّلاتهم النِّيابيَّة؛ ولما أصمُّوا آذانهم عن مطالب الشَّعب في المظاهرات والاضرابات المتتالية؛ ولما كانت ​الانتفاضة​ والحراك المدنيّ والثَّورة الإيجابيَّة التي جمعت الشَّعب اللُّبنانيّ في وحدةٍ متماسكة ومتحرِّرةٍ من وطأة الانتماءات الطَّائفيَّة والمذهبيَّة والحزبيَّة، والتي شكَّلت قوَّة لا يقوى عليها أحد، ولا يحقُّ للمسؤولين السِّياسيّين إهمالَها أو تجاوُزَها أو الاستهزاءَ بقدرتها؛ وفي المقابل لا يحقُّ للمسؤولين السِّياسيِّين البقاء في نقطة الصّفر بالنِّسبة إلى ​تشكيل الحكومة​ والنُّهوض بالبلاد من عجزها الماليّ وشللها الاقتصاديّ وشبه إفلاسها، بعد ستِّين يومًا من ثورة الانتفاضة، وبعد دعوة قمَّة ​دول الخليج​ في الرّياض الثلاثاء 16 كانون الاول واجتماع مجموعة الدّعم الدَّوليَّة في ​باريس​ الأربعاء 17 كانون الاول.

اضاف الراعي "أيُّها المسؤولون السِّياسيُّون، تذكَّروا أن نبل العمل السِّياسيّ مستمَدٌّ لا من مقامكم، بل من الشَّعب، عندما توفِّرون له الخير و​العدل​ والانصاف، لأنَّ هذه هي إرادةُ الله، ولأنَّ الشَّعب هو مصدر سلطتكم. فحذارِ أن تُهملوه أو تستصغروه. فلبنان دولةٌ ديمقراطيَّةٌ لا ديكتاتوريَّةٌ. ولا يحقُّ لأحدٍ أن يُملي عليها إرادته مستقويًا. كفى كيديَّةً في العمل السِّياسيّ، وتلاعبًا بمصير دولةٍ آخذةٍ بالانهيار، وشعبٍ ترمونه في الذُّلّ، وأنتم تتبادلون الأدوار من أجل التَّعثُّر والتَّعطيل، من دون أيَّة مسؤوليَّةٍ وطنيَّةٍ، وكأنَّ البلاد والعبادَ ألعوبةٌ بين أيديكم. لبنان ليس مُلككم بل مُلك شعبه".

واعتبر الراعي انه هذا هو الآن الوقت المصيريّ المناسب ليعود فيه المسؤولون السياسيُّون عندنا إلى لله لاستلهامه والاصغاء إلى إرادته. إنَّ أزمة الحكومة لا تُحَلُّ بالتَّحجُّر في المواقف، ووضع العصي في الدَّواليب، بل بالتَّجرُّد والتَّواضع، وبالتَّقدُّم المسؤول بخطوات بين هذا وذاك من الفرقاء، واضعين نصب أعينهم فقط مسؤوليَّة النُّهوض بالوطن المشترك وإنمائه وإسعاد شعبه، ومتحرِّرين من كلِّ ارتباطٍ خارجيٍّ ومن جعل الذَّات وسيلةً للغير من أجل هذا الاستقواء. ولكنَّ التَّاريخ عاّمنا ويُعلِّمنا أنَّ الدُّول تصنع مصالحها على حساب من كانوا وسيلةً لها في تدمير بلادهم. فلا ترموا الانتفاضة الشَّعبيَّة بتهمة الارتباط بالخارج أو الاستقواء به. فهذا ليس من عادة شبابنا المنتفضين ولا من ثقافتهم. فلا تتَّهموهم بما أنتم تفعلون وتعوَّدتم عليه من أجل مصالحكم.