المُحادثات المُرتقبة لمُساعد وزير الخارجيّة الأميركي لشؤون ​الشرق الأوسط​، ​ديفيد هيل​، مع كبار المسؤولين ال​لبنان​يّين، ليست فريدة في نوعها، حيث أنّ حركة المُوفدين الأميركيّين إلى لبنان، لم تنقطع طوال هذا العام، لكنّ هذه الزيارة بالتحديد تأتي في توقيت شديد الحسّاسيّة، وخاصة في ظلّ أقاويل عن تدخّل أميركي مُباشر في عمليّة تشكيل الحُكومة. فما هي المَعلومات في هذا الصدد؟.

بداية، لا بُدّ من التذكير أنّ زيارة هيل السابقة إلى لبنان في كانون الأوّل الماضي، كانت ركّزت على ضبط أنشطة "​حزب الله​" الأمنية في ​الجنوب​، وعلى وقف بناء الأنفاق، وعلى تثبيت الهدوء على ​الخط الأزرق​، إضافة إلى البحث في ملفّترسيم الحدود بين لبنان و​إسرائيل​، إلخ. وفي آذار الماضي، زار وزير الخارجيّة الأميركي ​مايك بومبيو​ ​بيروت​، مُستكملاً البحث في هذه القضايا. أمّا اليوم، فإنّ زيارة هيل ​الجديدة​ ستُركّز بشكل خاص على الجانب السياسي من نُفوذ "حزب الله" ضُمن التركيبة اللبنانيّة، وليس على أنشطته العسكريّة والأمنيّة فحسب. وليس بسرّ أنّ الجانب الأميركي كان رفع ضُغوطه تدريجًا في المرحلة الأخيرة، من مُجرّد مُقاطعة "حزب الله"، إلى مُقاطعة حلفاء "حزب الله"، مع توقّع أن تبلغ الإدارة الأميركيّة قريبًا، مرحلة مُقاطعة أي حُكومة تضمّ مُمثّلين عن "الحزب"، أو أقلّه أن تتعامل معها بشكل جاف وخالٍ من أيّ دعم. ولائحة العُقوبات الجديدة التي صدرتقبل أيّام وطالت شركات وشخصيّات لبنانيّة منوّعة، هي خير دليل على هذا التوّجه.

وكان بارزًا أنّ جدول لقاءات هيل الذي يشمل عددًا من كبار المسؤولين الرسميّين، إستثنى-أقلّه حتى تاريخه، أي لقاء مع وزير الخارجية في حُكومة ​تصريف الأعمال​، ​جبران باسيل​، الأمر الذي إعتبر بمثابة رسالة أميركيّة تحذيريّة لما يُمكن أن تكون عليه الأوضاع، في حال تشكيل حُكومة سياسيّة مع وجود "حزب الله" فيها. والمَعروف أنّ مُختلف المسؤولين الأميركيّين، يُطالبون بتشكيل حُكومة مُستقلّة عن القوى السياسيّة كافة، وبعضهم حذّر من اللجوء إلى أسلوب مُموّه لتعيين وزراء سياسيّين عن طريق تصنيفهم بالإختصاصيّين. وإستخدمت الإدارة الأميركيّة ورقة المُساعدات العسكريّة التي تُقدمها للجيش اللبناني بشكل دَوري، للضغط على المَسؤولين اللبنانيّين، حيث جمّدت بعضها قبل أن تعود عن قرارها، في ظلّ تعمّد تسريب ​النقاش​ الداخلي-الأميركي بشأن جدوى الإستمرار في دعم ​الجيش اللبناني​، مع التركيز على مُطالبات من داخل ​الكونغرس الأميركي​، بوقف هذا الدعم اللوجستي. وبالأمس القريب، جاء كلام مُساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط، ديفيد شنكر، ليؤكّد التوجّه الأميركي التصعيدي، حيث قال عن ​الحكومة​ الجديدة إنّها "لن تكون تلك التي تريدها الأحزاب الرئيسة في البلاد"(1). وفي السياق عينه، تأكّد من أكثر من مصدر نيّة الإدارة الأميركيّة التشدّد في تطبيق قانون العُقوبات ضُدّ "حزب الله"، والذي كان قد وقّعه الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​ قبل نحو سنة، والذي لا يطال الناشطين في "الحزب" فحسب، وإنّما كل من يثبت أنّ له علاقة به، بغضّ النظر عن جنسيّته وطائفته.

وبحسب المَعلومات المُتوفّرة، إنّ المُوفد الأميركي هيل، سيكون حازمًا خلال لقاءاته المُرتقبة مع كبار المَسؤولين اللبنانيّين، بضرورة تشكيل حكومة لبنانية إصلاحيّة، خالية من "حزب الله"، وبضرورة المُباشرة سريعًا بالإصلاحات البنويّة وبمسألة مُكافحة ​الفساد​. كما أنّه سيكون مُتشدّدًا بالنسبة إلى ملفّ ​الغاز​ و​النفط​ اللبناني، والذي بلغ مرحلة مُتقدّمة نسبيًا مع إنتظار إنطلاق أعمال حفر أوّل بئر تجريبي خلال الأسابيع القليلة المُقبلة، حيث يُتوقّع أن يُحذّر هيل من مغبّة السماح بذهاب الأموال التي ستُجنى في هذا القطاع، لتمويل ما تُصنّفه الإدارة الأميركيّة مُنظّمات إرهابيّة، ولوّ بشكل غير مُباشر عبر شركات خدمات ستعمل بالقطاع النفطي على الأراضي اللبنانيّة، وفي الإنشاءات التي سيتمّ تشييدها.

في المُقابل، لا شكّ أنّ "​الثنائي الشيعي​" الذي يرفض الذهاب إلى حكومة مُواجهة–أقلّه حتى تاريخه، يرفض أيضًا تشكيل أي حكومة وفق شروط ​الولايات المتحدة​ الأميركيّة أو ​صندوق النقد​ الدَولي، أو أيّ جهة خارجيّة أخرى، وهو يتحضّر لشنّ حملة إعلاميّة رفضًا لتدخّل الإدارة الأميركيّة في الشؤون اللبنانيّة، ورفضًا لضُغوطها المُمارسة على خط تشكيل الحُكومة.

من جهة أخرى، إشارة إلى أنّ موقف المُتظاهرين في الشارع يلتقي مع الموقف الأميركي، بالنسبة إلى ضرورة تشكيل حكومة خالية من السياسيّين، لكن ليس من مُنطلقات سياسيّة إطلاقًا، كما تريد ​واشنطن​، بل من مُنطلق النقمة العارمة على كل الوجوه السياسيّة من دون أيّ إستثناء. كما أنّ الموقف القوّاتي المُتهم بالتماهي مع الموقف الأميركي، ينطلق من معايير داخليّة، تتمثّل بالإستجابة لصوت الناس الناقمين، وكذلك بتوقّع تعرّض رئيس "تيّار المُستقبل" ​سعد الحريري​ لضُغوط كبيرة في حال أعيد تكليفه، تفضي في نهاية المطاف إلى عودة وزيرالخارجية في حُكومة تصريف الأعمال جبران باسيل، وغيره من القيادات الأساسيّة، إلى الحُكومة التي لن تكون مُستقلّة عندها، بل عبارة عن حكومة سياسيّة مُموّهة ببعض الوزراء الإختصاصيّين لتضليل الرأي العام.

في الختام، لا شكّ أنّ الصراع الإقليمي بين كل من واشنطن و​طهران​ و​الرياض​ مُستمرّ، والمُلاحظ أنّ الولايات المتحدة الأميركيّة تُحاول تعويض التراجع السياسي الذي مُنيت به المملكة العربيّة السُعودية داخل لبنان، نتيجة أكثر من سبب، في حين تُعوّل ​إيران​ على حليفها "حزب الله" لإفشال هذا المُخطّط. ويبدو أنّ عقبة جديدة أضيفت إلى العقبات الكثيرة التي حالت حتى اليوم دون ولادة حُكومة جديدة تبدأ مُهمّة إنقاذ لبنان من الإنهيار، من دون أن يظهر بعد ​الضوء​ الذي يُؤشّر إلى قرب الخروج من النفق المُظلم.

(1) ممّا جاء في كلام مُساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط، ديفيد شنكرأيضًا: "لن تكون هناك أي مُساعدات مالية من المُجتمع الدَولي، إلا إذا تألفت حُكومة مُلتزمة الإصلاح"، و"حزب الله يُشكّل جزءًا مُهمًّا من الفساد الذي أوصل لبنان إلى هذا الوضع"، و"لا نريد أن يتعرّض لبنان لما يتعرّض له ​العراق​ حاليًا، حيث نرى (قائد ​فيلق القدس​) ​قاسم سليماني​ يُشارك في عمليّة إختيار رئيس الحكومة العراقيّة".