تقيم الكنيسة الأرثوذكسيّة في الأحد قبل ​عيد الميلاد​ المجيد تذكار الآباء وجميع الذين أرضوا الله منذ الدهر مِن آدم إلى يوسف خطيب مريم الفائقة القداسة، وذلك بحسب أنساب الأجيال التي وردت في ​إنجيل​ي لوقا(٢٣:٣-٣٨) ومتى(١:١-١٧)، وتذكار الأنبياء والنبيّات ولا سيّما دانيال النبيّ والفتية الثلاثة القدّيسين.

علمًا بأنّه في الأحد الثاني قبل الميلاد هو أحد الأجداد وفيه تقيم الكنيسة أجداد الرّبّ يسوع تذكار ​المسيح​ في الجسد الذين كانوا قبل الشريعة وفي الشريعة.

هذان الأحدان لهما معنى مهم جدًا وعميق إذ يكشفان امتداد الخلاص منذ اللحظة الأولى للبشريّة الذي أعطاه الله للبشريّة جمعاء بصيروته إنسانًا مثلنا.

من يتفّحص المقطعين الذين يذكرهما كل من لوقا ومتى يلاحظ فرقًا ولكن في العمق.

متى يبدأ مِن إبراهيم نزولًا ليصل إلى يوسف خطيب مريم الذي وُلِدَ منها يسوع. بينما لوقا يبدأ بالعكس أي مِن يوسف صعودًا ليصل إلى آدم.

متى يتوجه إلى ​اليهود​ بشكل مباشر لذا نراه يخاطبهم قائلًاً: "كِتَابُ مِيلاَدِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ ابْنِ دَاوُدَ ابْنِ إِبْراهِيمَ"(مت١:١). ويضع داود قبل إبراهيم مع العلم بأن إبراهيم هو قبل داود. لكنّه قصد بذلك أن المسيح الذي ينتظره اليهود هو يسوع، مفتتحًا إنجيله بزلزالٍ يعلن بوضوح أن كل نبوءات العهد القديم تحققت بولادة الربّ يسوع في الجسد المسيح المنتظر.

لوقا أممي أكثر في دعوته وتبشيره، فيقول لكل سامع أن مشتهى الأجيال هو يسوع ولا تبحثوا بعد الآن عن أي إله آخر.

في سرد متى ثلاث مجموعات بحيث كل مجموعة تتألّف مِن أربعة عشر جيلًا: مِنْ إِبْراهِيمَ إِلَى دَاوُدَ، وَمِنْ دَاوُدَ إِلَى سَبْيِ بَابِلَ، وَمِنْ سَبْيِ بَابِلَ إِلَى الْمَسِيحِ(مت١٧:١).

إنجيل الأمس هو مقطع متى، بحيث يقف الكاهن على الباب الملوكي أو الشمّاس (إن وُجِد) على الكرسيّ الملوكيّ ويبدأ بذكر أسماء غريبة عجيبة عن أيّامنا هذه (...وعمِّينَادابُ ولدَ نَحْشُوَن ونحشونُ ولد سَلْمُونَ وسلمونُ ولد بُوعَزَ ...)، فيقول كثيرون: ما ​الفائدة​ مِن ذكر هؤلاء؟.

للوهلة الأولى قد يكون السائل على حق، ولكن ما أن أدرك المعنى اللاهوتي لهذا ​الإنجيل​ لقال: المجد لتنازلك يا الله، وما أعظم محبّتك الكبيرة لكل واحد منّا يا رّب.

أوّلًا، ذكر أنساب يسوع دحض لكل هرطقة تقول بأن الله لم يتجسّد أو كان خيالًا لا جسد له كما دعت بعض الفلسفات الغنوصيّة لتنتهي بالتشبيه.

ثانيًا، الوعد الإلهيّ بمجيء المخلّص هو مِن لحظة السقوط حيث قال الرّبّ للحيّة: "وأَضَعُ عَدَاوَةً بَيْنَكِ وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ، وَبَيْنَ نَسْلِكِ وَنَسْلِهَا. هُوَ يَسْحَقُ رَأْسَكِ، وَأَنْتِ تَسْحَقِينَ عَقِبَهُ» (تك١٥:٣). والنسل هو يسوع كما شرح بولس الرسول: "وَأَمَّا الْمَوَاعِيدُ فَقِيلَتْ فِي إِبْرَاهِيمَ وَفِي نَسْلِهِ. لاَ يَقُولُ: «وَفِي الأَنْسَالِ» كَأَنَّهُ عَنْ كَثِيرِينَ، بَلْ كَأَنَّهُ عَنْ وَاحِدٍ: «وَفِي نَسْلِكَ» الَّذِي هُوَ الْمَسِيحُ"(غلاطية ١٦:٣).

ثالثًا، استمر الوعد طوال العهد القديم، فقال الله لابراهيم: "وَيَتَبَارَكُ فِي نَسْلِكَ جَمِيعُ أُمَمِ الأَرْضِ"(تك١٨:٢٢).

كذلك كان اليهود يؤمنون بأن المسيح سيولد من نسل داود، إذ كان داود من سبط يهوذا الذي تنبأ عنه يعقوب بأن صولجان الملك لن يزول منه(تكوين ٤٩: ١٠). فالله وعده بأن مملكته تدوم إلى الأبد. "متى كملت ايامك واضطجعت مع ابائك اقيم بعدك نسلك الذي يخرج من احشائك واثبت مملكته"(٢صم ١٢:٧-١٣).

رابعًا، كان اليهود يصلّون يوميًّا في صلواتهم الثابتة أن يجدد الله ملكوت بيت داود على وجه السرعة، وذلك بإقامة عرشه في أورشليم وأن يرفع سليله المسيح بن داود ويمكّنه من أن يزدهر، لأن قدوم المسيح يجلب ​السلام​.

هذا ما يفسّر انبهار الجميع عندما "أُحْضِرَ إِلَيْهِ مَجْنُونٌ أَعْمَى وَأَخْرَسُ فَشَفَاهُ، حَتَّى إِنَّ الأَعْمَى الأَخْرَسَ تَكَلَّمَ وَأَبْصَرَ. فَبُهِتَ كُلُّ الْجُمُوعِ وَقَالُوا: «أَلَعَلَّ هذَا هُوَ ابْنُ دَاوُدَ؟» (مت ٢٢:١٢-٢٣). وآخرون كانوا يقولون ارحمنا وخلّصنا يا ابن داود.

الرّب يسوع قلب المقاييس.

وُلِدَ في مذود حقير، وحملت سلالته أناسًا تغرّبوا وشتّوا وخطئة ومِن الأمم وليس حصرًا مِن اليهود أمثال راحاب الكنعانيّة الزانيّة وراعوث الموآبيّة، كل ذلك ليقول لنا. أنا هو فخركم. والخطيئة التي هي الظلمة تزول أمامي لأني نور لحياتكم.

فالمجد لك يا رب المجد لك.