ليوم واحد من الواجب ان نبتعد عن الكتابة في دهاليز ​السياسة​ ومرّها دون حلوها، ونكون صوت الضمير للناس، ما همنا من الوزارات والتحالفات ومصير ​الحكومة​ ان تعثرت أو تألفت، بل نكتب عن الوضع الأليم القاهر الظالم المعتدي على الشعب بأكمله ونقول بصوت عالٍ ونرفع يدينا الاثنتين متضرعين الى الله عزّ وجلّ ان يرفع الظلم عن الشعب الطيب.

أيها الشعب الواعي الوفي ...

يا شعب الإنتفاضة الصامد والصابر والقادر ...

آن لك أن تُدرِك كيف "أدخلونا الى نصف البير وقطعوا الحبل فينا" أولاً الحكومات أي ​السلطة​ التنفيذية بالتكافل والتضامن مع مصرف ​لبنان​، وكلٌّ بحسب قدرته وطاقته، اقتطعوا نسبةً من تعب الناس ومن عرق جبين الناس ومن مدّخرات الناس: مارسوا "الكابيتال هير" على طريقتهم قبل ان يحصل "الكابيتال هير" قانونًا، وإلا ماذا نسمي ان يكون ​الدولار​ بـ 1515 ليرة (وليس متوافرًا) فيما هو لدى الصيارفة بأكثر من 2240 ليرة (وهو متوافر) والحبل على الجرار؟

***

مارسوا "الكابيتال كونترول" قبل أن يصبح قانونًا، فمَن يستطيع تحويل سنت إلى الخارج؟

ماذا يُسمَّى كل ذلك؟

إنه حجز لأموال المودعين، وما تبقَّى منها يُصار إلى تقنينها وإعطائها بالقطارة .

كيف صار ذلك؟ و"كيف قطعوا الحبل فينا"؟

اللبنانيون​، مقيمين ومغتربين، واشقاء عرب، وضعوا أموالهم في ​المصارف اللبنانية​.

في علم الاقتصاد:

المصارف "شغَّلت" هذه الأموال في استثمارات وقروض، مستفيدة من الفارق في الفوائد بين ما تعطيه لصاحب الوديعة وما تجنيه من الإستثمار أو ما تأخذه من الذي "تديِّنه"، أي ​الدولة​ عبر ​مصرف لبنان​ .

مصرف لبنان يستقرض على شكل سندات خزينة يبيعها للدولة لأجال طويلة .

تبدأ ​الأزمة​ حين لا تستطيع الدولة السَداد للمصارف، وعندها من أين تأتي المصارف بالأموال لسدادها للمودعين؟

المشكلة ان الدولة استقرضت من المصارف على هواها. لم تأخذ بعين الإعتبار أن هذه الاموال هي أموال فلس الأرملة وجنى العمر سواء في الوطن أو في المهجر.

شاركها "على هواه" مصرف لبنان، فأقرضها مع علمه الأكيد أنها لن تكون قادرة على السداد، فوقعت الواقعة على رأس المواطن المودِع :وثُق بالمصرف .

المصرف أودع ​المال​ في مصرف لبنان .

مصرف لبنان أقرض الدولة .

الدولة "بعزقت" الأموال. وتعثَّرت في السداد للمصارف .

المصارف تعثرت في السداد للمواطن .

هذه هي كل المشكلة، وهنا "إنقطع الحبل فينا بنصف البير".

لا تذهبوا بعيدًا في التحليل والتشخيص والترجيح ووضع الإحتمالات .

كيف صرفوها؟

1- قروض هالكة على ​الكهرباء​ حيث إنتاج ​الطاقة​ يذهب في معظمه سرقة للتيار الكهربائي .

2- شراء الفيول بعمولات مرتفعة وتغطية من سياسيين يتقاسمون الارباح .

3- إنجاز هندسات مالية لإغراء المصارف بإقراض الدولة في مقابل فؤائد مرتفعة .

4- إعطاء ​سلسلة الرتب والرواتب​ التي كلَّفت خزينة الدولة ما يقارب الملياري دولار في ​السنة​ من دون توفير الإيرادات لها .

***

حين يطلب مواطنٌ قرضًا من مصرف، تُطلَب منه آلاف الأوراق والمستندات والشروط والضمانات و"الرهنيات" للحصول على القرض، وحين يتخلف عن السداد يضع المصرف يده على ما هو "مرهون"، وكم مرة سمعنا هذا القول :

"كلو مرهون للبنك"... ولكن حين تطلب الدولة قرضًا من مصرف لبنان، فلماذا لا يطلب منها شروطًا وضمانات حفظًا للأموال التي ليست له بل للمودعين؟

إنها إزدواجية المعايير :

الدولة تحفظ حقها من دون أي ضمانة "وهي البير الغميق العتيق".

ولكن مَن يَحفظ حق المواطن الذي قُطع الحبل به وغرق في البير.

***

وتسألون لماذا انتفض شعب لبنان الأبي، أيحق لكم الهدر و​الفساد​ والنهب ولا يحق للشعب ان يحاسبكم بوجوده وبصوته المرتفع في الشوارع والساحات؟

ما همنا بالسياسة منذ ثلاثين عاماً و"الهدر ماشي والفساد ماشي والنهب ماشي"، الى يومنا هذا، حيث لم يعد شيء ماشياً، ولا بصيص نور لا في رؤية ولا في التخطيط ولا في اعادة تقييم الاخطاء الجسيمة التي ارتكبت بحق شعب بأكمله.

ولا حسّ ولا أحساس قيد أنملة بخراب بيوت الناس بعد الغرق الجماعي بهدرٍ وفساد ببئرٍ عمقه 30 متراً كل مترٍ بسنةٍ يعني 30 سنة.