دخل ملف ​تشكيل الحكومة​ المقبلة منعطفاً خطراً بعد التطورات الإقليمية على مستوى العلاقات الأميركية-الإيرانية، لا سيما بعد إغتيال قائد ​فيلق القدس​ في ​الحرس الثوري الإيراني​ ​قاسم سليماني​، ثم ردّ ​طهران​ بإستهداف قاعدة عين الأسد في ​العراق​، وهو ما ترجم "فرملة" في المشاورات التي يتولاّها رئيس الحكومة المكلّف ​حسان دياب​، بالإضافة إلى عودة البحث في إمكانيّة أن تواجه حكومة المستقلّين أيّ تحول جديد على مستوى المنطقة الملتهبة.

على هذا الصعيد، عاد البحث في إمكانيّة الذهاب إلى حكومة تكنو-سياسية، التي كان يصرّ عليها "​حزب الله​" و"​حركة أمل​" قبل تسمية دياب، أو إلى حكومة وحدة وطنية سيّاسية على قاعدة "لمّ الشمل" التي أطلقها رئيس ​المجلس النيابي​ ​نبيه بري​ في لقاء الأربعاء النيّابي الأخير، الأمر الذي تطرح حوله الكثير من علامات الإستفهام حول إمكانيّة أن تبصر الحكومة المقبلة النور في وقت قريب؟.

ضمن هذا السياق، بدأ الحديث في بعض الأوساط السّياسية عن إحتمال إعتذار رئيس الحكومة المكلّف عن المهمّة، نظراً إلى التعقيدات التي طرأت على المشهد السياسي في البلاد، بعد أن كان الإتفاق على أن يتولّى تشكيل حكومة اختصاصيين بدعم من قوى الأكثريّة النّيابية التي سمّته، خصوصاً "​التيار الوطني الحر​" وقوى الثامن من آذار، في وقت تتفاقم الأزمات الإقتصادية والإجتماعية والمالية على نحو غير مسبوق، وبالتالي بات من الضروري وجود حكومة قادرة على مواجهة هذه الملفّات، للعمل على الحد من تداعياتها على الأقل في حال العجز عن القيام بإجراءات جذريّة تقود إلى بدء مرحلة المعالجة الفعلية.

من حيث المبدأ، لا يمكن في ظلّ الواقع الراهن توقّع ولادة حكومة في وقت سريع، بغضّ النظر عن شكلها، الأمر الذي يدفع إلى طرح إعادة تفعيل حكومة ​تصريف الأعمال​ الحاليّة، التي لم تجتمع منذ إستقالتها للقيام بأيّ إجراء عملي يحول دون تفاقم الأوضاع، وهو ما كان يطالب به رئيس المجلس النيابي منذ ما قبل إجراء الإستشارات النّيابية الملزمة، إلا أنّ ذلك يتطلّب موافقة رئيسها ​سعد الحريري​، الذي رفض سابقاً إعادة تفعيلها لعدّة إعتبارات، منها الإستفادة من الأوضاع الضاغطة للعودة إلى ​رئاسة الحكومة​ المقبلة.

بناء على ما تقدّم، يكون من حقّ المواطنين السؤال عن أسباب غياب الحريري عن المشهد السياسي، لا سيما أنّ الرجل، الذي يشعر بالغدر والخيانة من الحلفاء قبل الخصوم، إختار مغادرة البلاد منذ ما قبل بداية العام الحالي، حيث أعلن عن سفره إلى ​باريس​ لقضاء إجازة عائلية، فهل قرر عدم العودة إلى ​لبنان​ في المرحلة الراهنة، تاركاً الساحة لقوى الأكثرية النيابية، التي تتخبط في خلافات بين أركانها ومع رئيس الحكومة المكلّف، ليثبت من جديد أن لا بديل عنه في رئاسة الحكومة؟!.

على هذا الصعيد، من المؤكد أن رئيس حكومة تصريف الأعمال يريد العودة إلى كرئيس للحكومة المقبلة مهما كان الثمن، رغم الشكوك التي لديه حول موقف بعض القوى الإقليميّة والدوليّة، وبالتالي هو يرى أن فشل كل محاولات التشكيل يصبّ في مصلحته، بدليل سعيه للتصويب على مهمة دياب قبل مغادرته لبنان، على قاعدة أنها حكومة اللون الواحد التي يشكلها رئيس "التيار الوطني الحر" ​جبران باسيل​، لكن هل من المنطقي أن يكون ذلك من دون القيام بالحدّ الأدنى من الواجبات الملقاة على عاتقه، التي من المفترض أن تبدأ بعودته إلى لبنان، ثم دعوة ​مجلس الوزراء​ إلى الإجتماع كي تتحمل حكومة تصريف الأعمال مسؤوليّاتها الدستوريّة.

في المحصّلة، ملفّ التشكيل دخل مرحلة معقّدة، كانت متوقّعة بالنظر إلى التأخير الذي حصل لأسباب داخليّة سمحت بدخول المعطيات الخارجيّة على الخطّ، وبالتالي بات من الضروري، في ظلّ مرحلة الجمود الراهنة، أن يتولّى رئيس حكومة تصريف الأعمال مسؤوليّاته، بدل ترك الأمور أمام تحدّي الإستنزاف والمزيد من الإنهيارات التي تلوح في الأفق.