وسط تفاقم الأزمات الاقتصادية والمالية والاجتماعية والفوضى في سوق صرف ​الدولار​ والتهاب أسعار السلع والمواد الاستهلاكية.. عاد الحديث عن احتمال ​تشكيل الحكومة​ في غضون أيام، بعد ان تمّ الاتفاق مجدّداً على أن تكون الحكومة من الاختصاصيين، وليست حكومة تكنو سياسية، التي أدّت إلى تأخر عملية تأليفها بسبب تباين الآراء حولها.. لكن هل انّ ​الأزمة​ سوف تحلّ لمجرد تشكيل اختصاصيين؟

لا شك أنّ ​تأليف الحكومة​ الآن سوف يسهم بإيجاد أجواء إيجابية تحدّ من حالة الاضطراب في سعر صرف الدولار وعودة الاستقرار على سعره الاقتصادي.. غير أنّ حلّ الأزمة والحيلولة دون تدهور ​الوضع الاقتصادي​ والمالي مرهون بطبيعة البرنامج الذي ستعتمده الحكومة الجديدة، هل سيكون استمراراً للبرامج الحكومية السابقة القائمة على انتهاج السياسات الريعية التي ربطت الاقتصاد ال​لبنان​ي بعجلة التبعية للنظام الرأسمالي الغربي، وطبّقت وصفات ​الدول المانحة​ و​صندوق النقد​ والبنك الدوليين، فهذه السياسات أدّت الى إضعاف الإنتاج الزراعي والصناعي ومراكمة الديون الهائلة على ​الدولة​ وفوائدها العالية، الأمر الذي تسبّب بتنامي ​العجز​ في ​الموازنة​، وإحداث عجز كبير في الميزان التجاري وميزان المدفوعات، الى جانب اعتماد ​سياسة​ ضرائبية غير عادلة تقوم على ​الضريبة​ غير المباشرة التي لا تميّز بين الفقراء والفئات المحدودة الدخل من ناحية، وبين الأثرياء وأصحاب المداخيل العالية من ناحية ثانية…

كما أنّ زيادة حدة الأزمة في السنوات الأخيرة يعود إلى أنّ الحكومات السابقة خضعت للضغوط والاملاءات الأميركية انْ لناحية العقوبات المالية التي استهدفت بيئة ​المقاومة​، وبنك الجمّال، والتحويلات الآتية من المغتربين من الخارج، أو لناحية خضوع الحكومة للإملاءات الأميركية بعدم التواصل رسمياً مع ​الحكومة السورية​ لتأمين عودة آمنة وكريمة للنازحين من الأشقاء السوريين، وتسهيل تصدير الإنتاج اللبناني، الذي يعاني من الاختناق، إلى سورية وعبرها إلى ​الدول العربية​ وخصوصاً السوق العراقية… وكذلك رفض قبول العروض الإيرانية والصينية والروسية لمساعدة لبنان على حلّ أزماته الخدماتية، على صعد حلّ مشاكل ​الكهرباء​، و​النفايات​، وتطوير البنية التحتية من طرقات وأنفاق وشبكة سكك حديد توصل جميع المناطق بالعاصمة، وإعادة تأهيل مصافي ​النفط​ إلخ…

من هنا فإنّ التركيز يجب أن يكون حول برنامج الحكومة الإنقاذي الذي يفترض ان يحدث قطيعة مع السياسات الحكومية السالفة الذكر، وان ينطلق من مصالح لبنان الوطنية التي يجب أن تقوم على رفض الإملاءات الخارجية والعمل على دعم الإنتاج الوطني وتنويع خيارات لبنان الاقتصادية، بالتوجه شرقاً، لحلّ أزماته المستفحلة بأقلّ التكاليف، بما يجنّب لبنان العودة إلى سياسة الاستدانة وشروط «سيدر» الإصلاحية التي تستهدف المزيد من التوغل في إفقاد الدولة مصادر دخلها عبر خصخصة القطاعات الخدمية التي تدرّ مداخيل هامة على الخزينة، بدلاً من العمل على استعادة الدولة مواردها التي خسرتها سابقاً بفعل خصخصة بعض القطاعات مثل، البريد وإدارة شركات الخليوي، واستيراد النفط لمصلحة شركات خاصة، بدلاً من إعادة بناء المصافي واستيراد المشتقات النفطية من الدول العربية والصديقة من قبل الدولة ومن دون وسطاء..

انطلاقاً من ذلك، فإنّ مغادرة السياسات الحكومية الريعية لصالح سياسات تقوم على دعم الإنتاج ورفض ​الخصخصة​ ورفض شروط «سيدر» وصندوق النقد والبنك الدوليين، وعدم الخضوع للإملاءات الأميركية، مرتبط بنوعية الوزراء ذوي الاختصاص ورؤيتهم، وكذلك مدى قدرتهم وتمتعهم بالحصانة والمناعة الوطنية لحماية الإنجازات الوطنية والتصدي للضغوط والإملاءات الأميركية، لا سيما لناحية ​ترسيم الحدود​ البحرية والبرية مع ​فلسطين المحتلة​ بما يحافظ على حقوق لبنان الكاملة في ثرواته النفطية و​الغازية​ والمائية ويحميها من الأطماع الصهيونية …

انّ التركيز، إذن، يجب أن ينصبّ على تشكيل حكومة اختصاصيين لديهم هذه المواصفات الوطنية، ولا يكون هو أهمّ هوى أميركي غربي، من الذين يؤيدون وينظرون لقبول وصفات المؤسّسات المالية العالمية التي تشكل سلاح ​أميركا​ والغرب للإمساك بعنق اقتصاديات الدول، وصولاً إلى إخضاعها لسياساتها وفرض الهيمنة الاستعمارية عليها، وهذا يعني انه لا يمكن الفصل بين السعي الى حلّ الأزمة الاقتصادية والمالية واستطراداً الأزمة الاجتماعية، وبين السعي للتحرر من الهيمنة الأميركية الغربية، والتي تبدأ برفض إملاءات ​واشنطن​ والعواصم الغربية وشروط المؤسسات المالية الدولية… ذلك أنّ أيّ حكومة تقبل بهذه الهيمنة ستكون غير قادرة على حلّ الأزمة او الحفاظ على مصالح لبنان الوطنية، ولا سيما حماية ثرواته وإنجازاته الوطنية التي حققتها المقاومة الباسلة بالاستناد إلى معادلة ​الجيش​ والشعب والمقاومة…