في 27 تموز من العام 1990، أي قبل أيام قليلة من ​غزو الكويت​، اجتمع الرئيس العراقي السابق ​صدام حسين​ مع السفيرة الأميركية في بغداد ابريل غلاسبي، حيث تم التطرق، بحسب ما يُنقل عن فحوى هذا اللقاء، إلى الخلاف الذي كان قائماً بين العراق والكويت. الأساس في هذا اللقاء، هو أن حسين فهم، من خلال النقاشات مع غلابسي، بوجود ضوء أخضر من واشنطن لإحتلال الكويت، قبل أن تكون هذه الخطوة مقدمة نحو تشكيل تحالف دولي ضده، كان الشرارة لمعركة إسقاط نظامه في العام 2003.

العودة إلى ذلك اللقاء اليوم ضرورية، لفهم ما حصل مع الرئيس السوري الإنتقالي ​أحمد الشرع​ (أبو محمد الجولاني)، الذي كان قبل أيام من فتح معركة ​السويداء​ قد عقد لقاءات مع مسؤولين إسرائيليين، في العاصمة الأذربيجانية باكو، بهدف التنسيق حول الخطوات التي من الممكن أن يقوم بها على مستوى العلاقة مع تل أبيب، بعد أن كان، منذ لحظة وصوله إلى السلطة، قد بعث بالكثير من الرسائل الإيجابيّة لها، حيث كان الإعتقاد أنّ إتفاقاً بين الجانبين سيوقع في وقت قريب، لا سيّما أنّ الشرع نفسه كان قد تحدث عن "أعداء" مشتركين.

من حيث المبدأ، لا يمكن الفصل بين هذا اللقاء وإطلاق العمليّة العسكريّة نحو السويداء، التي جاءت بعد خلاف كان من الممكن معالجته دون الوصول إلى هذه المرحلة من المواجهات، بدليل ما نقلته العديد من وسائل الإعلام عن مسؤول إسرائيلي، تحدث عن أن دمشق نسّقت مع تل أبيب الدخول إلى السويداء لكنّها أخلّت بالإتفاق، وبالتالي هو قدّم الرواية التي تعطي إسرائيل مبرر الدخول في المواجهات بالشكل الذي حصل، وصولاً إلى حدّ تنفيذ غارات تستهدف العاصمة السورية.

في حالة صدّام حسين، هو لم يدرك حجم ما تعنيه خطوة غزو الكويت بالنسبة إلى المصالح الأميركية في المنطقة، تحديداً في الخليج العربي، أما في حالة الشرع فهو لم يدرك أن المخطط الإسرائيلي لم يخرج عن إطار ​تقسيم المنطقة​ إلى كونتونات طائفية وعرقية، تكون تل أبيب هي المسيطرة عليها، وبالتالي لم يكن ممكنًا السماح له بالاقدام للسيطرة على السويداء، كما كان يطمح، بل ستبادر حتماً إلى تنفيذ ما كانت قد هددت به، منذ لحظة سقوط النظام السابق في دمشق، تحت عنوان "حماية" الدروز.

في هذا السياق، من الضروري التشديد على أن الهدف الإسرائيلي ليس حماية الدروز، بأيّ شكل من الأشكال، بل عبّرت عنه تل أبيب، بشكل دائم وواضح في أكثر من مناسبة، وهو السيطرة على كل منطقة الجنوب السوري، لتأمين ما تعتبره مصالحها الأمنيّة بالدرجة الأولى، بالإضافة إلى إطماع تاريخية معروفة، فهل ظنّ الشرع أنّ تل أبيب، التي يصف المسؤولون فيها سلطته بأنها عبارة عن مجموعة من الإرهابيين، ستسمح له بالدخول إلى السويداء؟.

في المحصّلة، لم تخرج تل أبيب عن دائرة النظر لكون الحل في المنطقة هو تقسيمها إلى كونتونات طائفية ومذهبية، وجود شخصية تحمل تاريخ الشرع في السلطة في دمشق يمثل أكبر خدمة لها في هذا المجال، لكن المطلوب كان أن يبادر إلى مثل هذه الخطوة، كي تبادر هي من جانبها إلى التحرك العملي، خصوصاً في ظلّ الهواجس التي يشكّلها بالنسبة إلى قسم كبير من الشعب السوري.