يشكّل تمثيل «حزب الله» في ​حكومة حسان دياب​ علامة فارقة، كونه انطوى على خصائص غير مألوفة تعكس الحسابات الدقيقة التي حددت نمط حضور الحزب في هذه الحكومة، مقدّماً نفسه بـ»تسريحة وزارية» جديدة.

صحيح أنها ليست المرة الاولى التي يلجأ فيها «حزب الله» الى انتقاء أسماء من خارج النسيج التنظيمي المباشر للمشاركة في ​مجلس الوزراء​، كما حصل على سبيل المثال مع اختياره الدكتور ​جميل جبق​ ل​وزارة الصحة​ في الحكومة السابقة، بينما تولّى الوزيران ​محمد فنيش​ و​محمود قماطي​ التعبير عن الهوية السياسية الدامغة للحزب.

لكنها المرة الاولى التي تكون فيها الحصة الوزارية للحزب كاملة من التكنوقراط او الاختصاصيين المصنّفين في خانة المناصرين له، ممّن لا ينتسبون عضوياً الى جسمه ولا يحملون بطاقته، كما هي حال وزير الصحة ​حمد حسن​ ووزير الصناعة ​عماد حب الله​ في حكومة دياب.

وضمن هذا السياق، أتى حتى الشكل معبّراً، إذ انّ كلّاً من حسن وحب الله يرتديان ربطة عنق خلافاً لـ«التوازن» الذي كان قائماً على مستوى «المظهر الخارجي» للحزب في الحكومة السابقة بين «لوك» فنيش وقماطي و«لوك» جبق.

يؤشّر اختيار حب الله وحسن الى تنوّع في مروحة الخيارات لدى الحزب، الذي أوحى عبر تسليم «الأمانة» الى هذين الإسمين أنّ ثقته في بيئته واطمئنانه الى صلابة تكوينها وقناعاتها لا تقلّ عن ثقته في الشخصيات الحزبية المنتمية مباشرة إليه.

وخلف هذه «الصورة الفوتوغرافية» المعدّلة التي لا تخلو من الدلالة الرمزية، تكمن تفاصيل أكثر أهمية تتعلق بالسيرة الذاتية للوزيرين الجديدين، خصوصاً حب الله الآتي الى حكومة اللون الواحد من تجربة مهنية في ​الجامعة الاميركية​ في دبي، وهو الأمر الذي لم يكن عائقاً أمام تسميته من قبل «حزب الله»، بل لعل الحزب تَعمّد أن يأتي اختياره على هذا النحو لمزيد من الطمأنة والتسهيل.

تعكس هذه المقاربة للتمثيل الوزاري مقداراً كبيراً من الواقعية لدى الحزب، الذي تدرّج في سقوفه من التمسّك بالحكومة السياسية التي كان يترأسها ​سعد الحريري​ الى المطالبة بعد استقالته بحكومة تكنو-سياسية وصولاً الى القبول في نهاية المطاف بتركيبة صافية من الاختصاصيين، وإن يكن لهم غطاء سياسي.

المهم بالنسبة الى الحزب، على صعيد المردود الاستراتيجي، انه نجح في إحباط المحاولات التي جَرت للاستقواء بانتفاضة 17 تشرين الاول واستغلال ديناميتها لإقصائه عن السلطة التنفيذية المتمثّلة في مجلس الوزراء، وبالتالي الايحاء أنه تلقّى هزيمة سياسية ومعنوية على ملعبه، وبين جمهوره، بل في مواجهة جزء من هذا الجمهور.

وبناء عليه، ما يعني «حزب الله» بالدرجة الاولى أنه لم يخرج، تحت الضغط الاميركي أو غيره، من المعادلة الحكومية الجديدة، بمعزل عن طبيعة حضوره في داخلها وشكله. والأهم انه حقّق ذلك من دون أن ينزلق في الوقت نفسه الى فَخ تشكيل حكومة المواجهة التي من شأنها أن تمنح خصومه وأعداءه الذريعة الكاملة للانقضاض عليه وعلى هذه الحكومة معاً، بكلّ ما يمكن أن يسبّبه هذا الوضع من أضرار كبيرة بالواقع ال​لبنان​ي المُترنّح بفِعل الازمة الاقتصادية، وصولاً الى تحميل الحزب المسؤولية عن أي سيناريو كارثي قد يحصل.

وبتفسير أدق، هناك من يلفت الى انّ الحزب استطاع، عبر التسمية المدروسة لوزيريه في حكومة دياب، المواءَمة بين حدّين:

الأول، توجيه رسالة حازمة الى من يهمه الأمر مفادها أنه إذا كان غير قادر على منع ال​عقوبات​ الاقتصادية في حقه لأنّ ​واشنطن​ هي الأقوى في هذا المضمار، فهو لن يتساهل أمام محاولة فرض عقوبات سياسية عليه، لأنه يلعب أساساً على أرضه وصار بفِعل عوامل متراكمة رقماً صعباً في معادلة التوازنات الداخلية ليس من السهل شطبه أو تطويعه، مهما تصاعدت الضغوط.

أمّا الحد الثاني الذي حرص الحزب على مراعاته، فهو استعداده لتوسيع هامش المرونة والتعاون حتى الحد الأقصى المُمكن من أجل إنجاح الحكومة في مهمتها الرامية الى لجم الانهيار وإخراج لبنان من نفق المأزق الاقتصادي المالي، مع ما يتطلّبه ذلك من تمثيله بوزيرين اختصاصيين، غير حزبيين، بحيث لا يشكّلان استفزازاً او تحدياً للخارج ولا يمثّلان عائقاً أو عقدة أمام الحصول على مساعدات أو دعم من ​المجتمع الدولي​.

لقد كانت المعادلة واضحة من منظار «حزب الله»: ليس مطلوباً تأليف حكومة «حزب الله» لأنّ أيّ تضخيم في حجمه ودوره على هذا الصعيد كما يفعل البعض إنما يرمي الى توريطه وتدفيعه الثمن، وليس مسموحاً في الوقت نفسه تشكيل حكومة من دونه لأنّ مثل هذا الطرح ينطوي على استهداف له.