يريد المواطن اللبناني من حكومة حسان دياب أن تنجز ما هو ممكن من المطالب المحقة التي طرحها الحراك الشعبي. أي أنه لا يطالبه بالمستحيل ويمنحه الفرصة المطلوبة من الوقت لأنه يعرف تماما أن رئيس الحكومة يواجه تحديات كبيرة ليست من صنع يديه وإنما من صنع الطبقة السياسية التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه من وجع وقلق على المستقبل.

لقد هزّ الحراك الشعبي معادلات أساسية يرتكز إليها نظام المحاصصة الطوائفية. أولها نظرية الديموقراطية الطوائفية والتي تعني في العمق التوافق الطائفي على المحاصصة وهي لا تمت بصلة إلى الديموقراطية الفعلية. ونظرية الميثاقية الطوائفية والتي تعني تمثيل الأقوى في الطائفة مع ما يعنيه ذلك من تهميش للطوائف الصغيرة والأرمن وإرساء سقوف متعددة للمواطنة وصراعات داخل الطائفة الواحدة. والنظرية الثالثة هي إسقاط الخطوط الحمر للحمايات الطوائفية للفساد. كما أن الحراك الشعبي أصاب في العمق العلاقة القائمة على النفاق السياسي بين أطراف السلطة. فهذه العلاقة أثبتت أن كثرة الإتفاق نفاق وكثرة الخلاف شقاق.

الإهتزاز في النظريات الثلاث المشار إليها التي أحدثها الحراك الشعبي أمر مساعد لرئيس الحكومة حسان دياب في إجراء الإصلاحات المطلوبة وفي الحاجة إلى معالجات سريعة للأزمة الإقتصادية–المالية–النقدية إذا نجح في مواجهة الضغوط التي يمكن أن يمارسها عليه شركاؤه في تشكيل الحكومة، وإذا عرف كيف يحيّد الحراك الشعبي وألاّ يكون في مواجهة معه كما تشتهي الطبقة السياسية، التي تؤثر توريطه فيها على أن تكون هي في الواجهة. وهذه الناحية يدركها جيدا قائد الجيش العماد جوزاف عون الذي يضع مؤسسته على الحياد بين السلطة والحراك الشعبي طالما الأخير يلتزم الإعتراض السلمي في الشارع.

واقع الأمر هناك من سيدفع الثمن إما الحكومة أو الطبقة السياسية. وعلى رئيس مجلس الوزراء حسان دياب أن يختار بين الأمرين. المهمة صعبة ولكن غير مستحيلة خصوصا وأنه بين وزرائه من هم على اقتناع كامل بأحقّية ما طرحه الحراك الشعبي من مطالب. كما أن الخارج الدولي الأميركي والأوروبي والروسي والخليجي يأخذ مسافة واضحة عن الطبقة السياسية، وهذا أمر يمنحه (أي رئيس الحكومة) مرونة مدروسة ومشروطة مع شركائه في السلطة تحرره من تلبية ما لا يراه مناسبا. فمثل هذه ’’المسافة‘‘ غير موجودة إزاءه من ’’الخارج‘‘ بحيث أنّ أي مساعدات خارجية للبنان وللحكومة لا يمكن أن تخضع لمعادلة المحاصصة السابقة.

ماذا يعني ذلك؟ يعني أن الإفراج عن المساعدات الخارجية أصبح قريبا. ففي المعلومات أن المملكة العربيّة السعوديّة أبلغت أكثر من جهة عن استعدادها لتقديم المساعدات الماليّة وغير الماليّة، وخصوصا إذا فتحت قنوات المساعدات الخارجية وتحديدا (CEDERS). وهذا التوجه السعودي جاء بعد بروز إيجابيتين نحو الحكومة. الأولى فرنسيّة من الرئيس إيمانويل ماكرون، والثانية من البنك الدولي وبطريقة غير مباشرة من واشنطن.

وفي التوجه الإيجابي السعودي نحو الرئيس حسان دياب ما ينعكس تسهيلا له في الطائفة السنية للجم التنظيمات المتطرفة والجهات الخارجية التي تحاول اختراق هذه الطائفة. وهذا ما يفسر أن رئيس الحكومة السابق سعد الحريري المعتدل لا يريد من الذين يوالونه وضع العراقيل أمام الحكومة الجديدة. فهو مع منحها فرصة للعمل سيّما وان الذين أبعدوه عن تشكيل ’’حكومة اختصاصيين‘‘ مشابهة هم أهل السلطة أنفسهم بمختلف اتجاهاتهم.

الحلول العجائبية غير ممكنة. لكن كسب ثقة الشارع وشرعية الحراك الشعبي ممكنة. وأهم ما في الأمر هو الصراحة وترتيب الأولويات التي تهم الناس. وهذا يفترض رؤية حكومية لمعالجة وضع الودائع في المصارف وحصر ارتفاع سعر الدولار في السوق، وتثبيت أسعار السلع واتخاذ خطوات جدية في مواجهة الفساد واستعادة الأموال المنهوبة وتطبيق القوانين وإصلاح القضاء، وتفعيل دور مجلس الخدمة المدنية لجهة الكفاءة والإمتحان في اختيار الموظفين وعدم تحميلهم الأزمة المالية عبر ما يروّج عن إقصاء 4000 متعاقد أي 4000 عائلة ’’كعملإصلاحي‘‘ لأن ذلك يرفع منسوب البطالة. ومن الأمور التي تساعد على إعطاء صورة إيجابية للحكومة هو الإعلان عن التزامها بإعطاء الجنسية لأبناء المرأة اللبنانية المتزوجة من أجنبي أسوة بالزوج اللبناني. كما أنه من الضرورات معالجة وضع المطلوبين للعدالة في البقاع الشمالي وعكار والشمال والذين يتجاوز عددهم الستين ألفا، والذين يتضامن معهم أهاليهم وهم بمئات الألوف، وخصوصا أن البعض منهم مطلوب لأسباب تافهة تقتضي تفهّما وعفوا عاما. ولا مانع أن تمتلك الحكومة الجرأة في تشريع زراعة الحشيش لأغراض طبية تُوفر مليارات الدولارات وتحمي الدورة الإقتصاديّة.

وأهم ما في الأمر أن تكسب الحكومة عنصر الشباب والطبقة المتوسطة المنهارة ونخبها الفكرية والثقافية، وتأمين ضمان الشيخوخة وأن تشدد في النظرية والممارسة على دولة المواطنة أي الدولة المدنية، وأن تملك الشجاعة في اعتماد مشروع قانون للضريبة التصاعدية، وأن تلجأ إلى إقامة مدينة إعلامية تعتمد فكرة الإعلام الحر، وتفتح المجال امام توظيف الرساميل العربية وغير العربية في القطاع الإعلامي، ما يؤدي إلى تشغيل ما يزيد على 3000 إعلامي ومصور وكاتب. وللأسف فكرة المدينة الإعلامية كانت لبنانية في الأساس وأخذتها دبي وعمان والقاهرة وستلجأ إليها قريبا الرياض.

وفي الختام الإعلام مفتاح نجاح الحكومة لتسويق سياساتها. فما هي الأدوات التي سيلجأ إليها رئيس الحكومة حسان دياب؟ أولها معالجة الواقع الإعلامي واستعادة صورة لبنان عبر هذا الإعلام. وثانيها ايجاد لغة حوار وتواصل مع عقلاء الحراك الشعبي ونخبه وثالثها المبادرة من الرئيس حسان دياب إلى إزالة ’’الجدران‘‘ التي أقامتها السلطة السياسية بينه وبين ثقة الشارع. فالبرلمان وحده لا يكفي إلى إعطاء الثقة. فمهلة ’’المئة يوم‘‘ يتحكم بها الشارع وتجاوب الحكومة معه.

رئيس ​المجلس الوطني للإعلام​ المرئي والمسموع عبد الهادي محفوظ​​​​​​​