هو يوم تاريخيّ "سيفصل بين ما قبله وما بعده، وسوف يذكره حاضر ​لبنان​ ومستقبله، بأنّه اليوم الذي دخل فيه وطننا رسمياً نادي الدول ​النفط​يّة".

بهذه العبارات، اختار ​رئيس الجمهورية​ ​ميشال عون​ أن "يزفّ" إلى اللبنانيّين بشرى البدء ب​التنقيب​ عن النفط، أو ما وصفه بـ "الحلم" الذي لم يكن مستحيلاً، وإن تطلّب سنواتٍ طويلة من العمل والجهد والمثابرة، ومواجهة التحديات، حتى يبصر النور.

لكن، وعلى غرار كلّ "حدث" يشهده لبنان هذه الأيام، كان "التسييس" نصيب الإعلان الرئاسي سريعاً، فبقدر احتفال مناصري "العهد" بما وصفوه بـ"الانتصار التاريخيّ"، خرج من يسخر ويشمت في المقابل، بل من "يتمنّى" عدم العثور على نفطٍ وغاز في نهاية المطاف، بما يعرّي الإنجاز من مضمونه.

وإذا كان صحيحاً أنّ الإنجاز المُعلَن يبقى "مع وقف التنفيذ" بانتظار تثبّته بالوقائع على أرض الواقع، فإنّ السؤال عن دوافع ونتائج "تسييسه" يبقى أكثر من مشروع، خصوصاً في وقتٍ قد يكون ​اللبنانيون​ فيه بأمسّ الحاجة للاتّحاد، وهم يواجهون أزمةً اقتصاديّةً هي الأسوأ في تاريخ البلد الحديث من دون منازع...

لننتظر ونَرَ...

صحيحٌ أنّ دخول لبنان نادي الدول النفطيّة، إن حصل، سيشكّل انتصاراً لجميع اللبنانيين من دون استثناء، لكنّ "الاحتفاء" به وكأنّه "الخلاص المُنتظَر" يبقى سابقاً لأوانه، بالنسبة إلى معارضي العهد، الذين يذهب بعضهم إلى حدّ اتّهام "​التيار الوطني الحر​" بمحاولة "اختراع" إنجازٍ يُنسَب لرئيس الجمهورية، بعد تبيان "زيف" معظم الإنجازات التي تمّ الترويج لها مسبقاً، وعلى امتداد السنوات الثلاث الماضية.

بالنسبة إلى هؤلاء، فإنّ المشكلة الأكبر في التعاطي مع الإنجاز النفطيّ، إن وُجِد، تكمن في كلمة ​الرئيس عون​ بالمناسبة، والتي لم تعكس شعار "بيّ الكلّ" الذي لطالما رفعه، بل أعادته إلى موقعه السابق كمؤسّس تيّارٍ سياسيٍّ ورئيس تكتّل نيابيّ أو وزاريّ، علماً أنّ هناك من تساءل عن "جدوى" تعمّد عون تسمية الوزير السابق ​جبران باسيل​ في معرض كلمته، ولو كان صاحب "الفضل الأكبر" في الإنجاز، في تكريسٍ لما يُقال عن عون لجهة تفضيله لباسيل، بل محاولة الترويج له وكأنّه "الوريث القويّ" الذي تحدّث عنه في بداية "العهد".

وأبعد من فقدان الموقع "الوسطيّ" لرئيس الجمهورية، ومدلولات ذلك على المسار العام، وفق ما يرى خصوم عون وباسيل على حدّ سواء، فإنّ المعارضين يستندون إلى مقولة "لننتظر ونرَ" للتقليل من حجم "الانتصار" الذي يعتبرونه "مزعوماً" حتى إثبات العكس. وهم، إذ يلفتون إلى أنّ هذا الإنجاز يبقى "حبراً على ورق" طالما أنّ عمليات التنقيب لا تزال في بدايتها، وقد لا تفضي إلى شيء في نهاية المطاف، يذكّرون بأنّ الرئيس الأسبق ​كميل شمعون​ كان قد دشّن عمليات تنقيبٍ مماثلة في ​البقاع​ في العام 1953، بعد تأكيد العلماء وجود النفط في تربة لبنان، من دون نتيجة.

أما الأهمّ من كلّ ما سبق، وفق المعارضين أنفسهم، فإنّ الإنجاز "النفطيّ"، إن وُجِد، يبقى "منقوصاً"، ولا يمكن أن ينقذ "العهد" من سجلٍّ حافلٍ بالأزمات والكوارث، ولا سيما ​الأزمة​ الاقتصادية والمالية التي يتخبّط المسؤولون في مواجهتها، بعد محاولة تحميل مسؤوليتها إلى "الثوار" الذين استشرفوا حصولها واستبقوها بتحرّكاتهم، قبل تقاذف الكرة بين القوى التي لا يمكن نكران أنّها، بمجملها، "شريكة" في "جريمة" إيصال البلاد إلى ما وصلت إليه، ولو بنسبٍ متفاوتةٍ.

"الحملات" متواصلة!

كلّ ما قيل ويُقال وسيُقال يبقى جزءاً من "الحملات" المنظّمة وغير البريئة التي يصرّ أفرقاء معروفون على مواجهة "العهد" بها.

هكذا، يقرأ "التيار الوطني الحر" المحاولات غير المفهومة برأيه، لتعرية الإنجاز النفطيّ غير المسبوق من مضمونه، بل الحكم عليه سلفاً بالفشل، وكأنّ نجاحه سيعود ب​الفائدة​ إلى فريق "العهد" دون سواه، وليس إلى جميع اللبنانيين، الذين يتشاركون، باختلاف انتماءاتهم السياسية، المعاناة نفسها، جراء ​الوضع الاقتصادي​ المتفاقم.

وإذا كانت بعض المواقف لا تستحقّ التعليق، برأي "الوطنيّ الحرّ"، فإنّ ما يستغربه المحسوبون على "التيار" أن يصل الأمر بالبعض، وتحديداً من ناشطي ​المجتمع المدني​، أو من باتوا يُعرَفون بـ"الثوّار"، إلى حدّ تمنّي أن يكون الإنجاز المُعلَن دعائياً ليس إلا، وكأنّ المواجهة السياسية مع "العهد" تتطلّب من البعض العمل، ولو من باب الأمنيات، على "ديمومة" الأزمات، بغية عدم تسجيل أيّ إنجازٍ يُذكَر في سجلّ العهد، الذي يُحارَب، ربما لمنع تكرار نموذج "الرئيس القوي" الذي يمتلك الحيثيّة السياسية والشعبيّة، وهو ما شكّل "سابقة" في تاريخ ​الانتخابات الرئاسية​ في لبنان.

أما القول إنّ رئيس الجمهورية تخلّى عن موقعه "الوسطيّ"، بتعمّده نسب "الفضل" للوزير باسيل، على رغم إدراكه أنّ اسم الثاني وحده بات "مستفزاً" لشرائح واسعة من الشعب، فإنّ أوساط "الوطني الحر" تضعه في إطار "تبيان الحقائق"، خصوصاً أنّ "الحدث" كان يفترض أن يحصل قبل أكثر من سبع سنوات، لكنّ العرقلة حالت دون ذلك، علماً أنّ عون حرص هنا على عدم تسمية المعرقلين، أو توجيه أصابع الاتهام لهم، مكتفياً بالحديث عن "صعوبات داخلية وسياسية".

"إنجاز" وحيد!

في المُطلَق، يمكن القول إنّ "تسييس" الإعلان الرئاسيّ النفطيّ يتحمّل مسؤوليته جميع الأفرقاء دون استثناء، فمناصرو رئيس الجمهورية "سيّسوه" في مكانٍ ما، بنسبه إلى "العهد" و"التيار الوطني الحر" حصراً، وكأنّ في ذلك "إنقاذاً" لهيبة الرئيس، التي بدأت تتراجع بفعل الأزمات المتراكمة، عفويّة كانت أم مفتعلة.

وفي المقابل، ثمّة من يرى أنّ خصوم رئيس الجمهورية يتحمّلون مسؤولية "التسييس"، لأنّهم لم يجرّدوا الإعلان الرئاسيّ من "بيئته الحاضنة" إن صحّ التعبير، وبالتالي أرادوا توظيفه ضمن "الحملة" ضدّ العهد، علماً أنّ كثيرين من بين هؤلاء، وتحديداً من الأحزاب المتهمة بـ"تسلق" الحراك الشعبيّ، مسؤولةٌ أصلاً عن الدرك الذي وصلت إليه البلاد.

لكن، بعيداً عن التلهّي بـ"تسييس" إنجازٍ يبقى سابقاً لأوانه أصلاً، ولا شكّ أنّه يتطلب سنواتٍ طويلة أخرى لتظهر حقيقته، ثمّة من توقف عند "مفارقات" تبدو مثيرة للجدل، كأن يكون لبنان ​الدولة​ النفطيّة الأولى التي تغيب فيها ​الكهرباء​، أو التي "يتسوّل" مواطنوها ودائعهم في ​المصارف​، أو المهدَّدة بالإفلاس.

إزاء ذلك، يبقى الأكيد أنّ "إنجازاً" وحيداً ينتظره جميع اللبنانيين اليوم قبل الغد، ولن يتنكّر له أحد، لو حصل، وهو "إنقاذ" البلاد من الانهيار، الذي لن ينفع بعده الندم، والذي لن ينتظر بطبيعة الحال العثور على غازٍ أو نفطٍ، إن وُجِد...